للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَكُونَأَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣)} [الزمر: ١١ - ١٣]. (١)

ونلاحظ في ربط الآيتين قبل الخوض في شيء من التفسير ما يلي:

أولاً: أن سورة الأنعام ذكرت قوله: {أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) أما في سورة الزمر فجاء قوله: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢)} وتعني في الأنعام عندما عبرت بالفعل أن ذلك يفيد التكرار والدوام منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أي كلما تكرر أمر من الله له، أو نهي فإنه يكون المبادر للاستسلام وللامتثال ومن ناحية أخرى يكون هو الأقوى والأكمل في الامتثال والخضوع، أما آية الزمر، وهي المعبرة بالجملة الاسمية {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)} فدلت على كون الاستسلام والقوة فيه والحرص عليه سجية للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهيئة راسخة لا ينفك عنها ولا يتحول، وأنه - عليه الصلاة والسلام - يتقبل تلك الأوامر والنواهي ويسارع إليها بسماحة ويسر، بغير مشقة على النفس ولا عنت، وبغير ملل أو ضجر أو استثقال، مهما كلفته تلك الأوامر والنواهي، وقد رأينا تلك القدوة في أصحابه رضوان الله عليهم عندما تركوا أهلهم وأوطانهم وديارهم وأموالهم في سبيل الله تعالى، وما كانوا ليفعلوا ذلك إلا ولهم أسوة فيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذه تدل على عصمته، لأنه كلما أُمر بأمر امتثل، وكلما نهي انتهى (٢).

ثانيًا: أن الآيات هنا زادت الإخلاص لله تعالى في عبادته، حيث يتناسب ذلك مع السياق، إذ في الأنعام قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤)}، وهو علاوة على أن أمره بأن يكون أول من أسلم فهو تأييس للمشركين من طلبهم العودة إلى دينهم، أما هنا فهو الأمر بالعبادة ولا تكون مقبولة إلا بالإخلاص لله تعالى فيها،


(١) حيث الأنعام في ترتيب السيوطي (٥٤)، والزمر (٥٨)، وكذا في بقية المصاحف، فإن الزمر متأخرة مع اختلاف في رقمها.
(٢) فلم يكن ثم مجال للمخالفة على الإطلاق، وذلك واضح من أمر الله له بالثناء على نفسه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بثناء الله عليه، فأنى تأتي المخالفة المؤكد عدم خطورها بباله فضلاً عن وقوعها، وذلك بقوله: "إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم".

<<  <   >  >>