للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الآيات نرى ذلك بأوضح صورة، حيث يقول جل وعلا: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [الأنعام: ١٤] ثم يقول: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} فجاءت هذه الآية الثانية، لتبين بدلالة السمع - وهو الوحي - بعد الأولى التي تحوم حول الدلالة بدلالة العقل، الأمر باتباع دين الإسلام، بل وأن يعلن النبي بناء على أمر ربه أنه أول من أسلم، وهي الكناية التي خاطب العرب بها، إذ هم يعلمون أنه أول من التزم دينه الذي يدعو إليه، ومن ثم كان المعنى المكنى عنه هنا هو كونه الأقوى والأمكن في الإسلام، لأن الأول في كل شيء هو الأحرص على الشيء، والأعلق به، فالأولية تستلزم الحرص والقوة في العمل، كما حكي الله عن موسى - عليه السلام - قوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)} [الأعراف: ١٤٣] فإن كونه أولهم معلوماً، وإنما أراد: إني الآن بعد الصعقة أقوى الناس إيمانًا، وفي الحديث: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة» (١).

وعليه فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الأول إسلامًا وإيمانًا وإحسانًا، في الدنيا والآخرة، وبأمر الله أن يقول ذلك، وفي نفس الآن فإن في الآية تأييسًا للمشركين من اتباع دينهم، أو الرجوع إلى دين آبائهم، والذي من معناه التمسك بتوحيد ربه، والالتزام بعبادته، وترك عصيانه، وهو ما يبين في الآيات الأولى المعنى الذي تدور عليه الآيات كافة من كونه في توحيده لربه، والتزامه بعبادته، والاتصاف بأعلى الصفات هو الأول في ذلك.

ونربط ما سبق من سورة الأنعام بما نزل في سورة الزمر، نظرًا لأن الزمر متأخرة النزول عن الأنعام، وهي من قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ


(١) رواه البخاري ومسلم، وهذا اللفظ لمسلم (٨٥٥).

<<  <   >  >>