للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان رجاؤه الرحمة بطاعته دل على عصمته؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول المرحومين، وأعظمهم تحصيلاً لرحمة الله سواء بعنايته في الدنيا؛ بالوحي له، واختصاصه به، أم في كونه أول المسلمين، كما أمرته الآية السابقة أن يقول بذلك، وهي قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ}، أو بكونه هو الرحمة نفسها كما مر معنا في قضية يوسف عليه السلام.

وقوله: {وَذَلِكَ (١) الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)} تعقيبًا على صرف العذاب، دليل أن من صرف عن العذاب، أو صرف عنه العذاب على حسب عود الضمير فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم، قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥] ومعلوم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الدرجة العليا من النعيم في الفردوس الأعلى، ليس ممن يصرف عنه العذاب، بل هو صاحب الوسيلة (٢) التي ليست لأحد من الخلق إلا هو - عليه الصلاة والسلام - فكان ذلك برهان كونه المنزه الأول عما يشوب هذه المنزلة من المعصية، أو يخدش تلك الدرجة من الرحمة بالمخالفة، ويؤيد ذلك أن في الآية تعريضًا بأنهم عصاة، مستحقون لعذاب يوم عظيم أولئك المخالفون للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يقع منه هو أدنى مخالفة أو معصية.

ما زالت الآيات الثلاث تبوح بشيء من معانيها، تجود بها:

من ذلك شمولها للتوحيد والعبادة، والخوف من المعصية، مع التأكيد على دلائل الوحدانية التي لا يمكن معها إلا التسليم للرب عقلاً وسمعًا، وتكون المخالفة ساعتها أقبح القبائح، خاصة إذا اقترنت هذه الآيات بأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول ذلك، مبلغًا إياه عن ربه.


(١) وذلك فيه من معنى البعد ما يؤذن بعلو درجته، وبعد مكانه في الفضل.
(٢) إشارة إلى حديث الوسيلة الذى رواه مسلم (٥٧٧).

<<  <   >  >>