للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وتوضيحًا لعذاب العصيان، وهو ما يدل على شدة الامتناع من المخالفة أضيف العذاب إلى {يَوْمٍ عَظِيمٍ} تهويلاً له، إذ في معتاد العرب أن يطلق اليوم على يوم نصر فريق، وانهزام آخر، والهزيمة تعني التنكيل بهم، وإكثار القتل والأسر فيهم، وإسامتهم سوء العذاب، فذكر {يَوْمٍ} يثير الخيال من مخاوف مألوفة لديهم، قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩)} (١)، ولم يقل عذاب الظلة، وبهذا الاعتبار حسن جعل إضافة العذاب إلى اليوم العظيم كناية عن عظم ذلك العذاب.

- ما سبق من المعاني لتلك الكلمات القليلة المضيئة، يظهر بجلاء هذا العلو، وتلك الدرجة المُنيفة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي يقطع العقل بحصولها له.

وتمضي ألفاظ الآية الكريمة في توضيح جانب آخر يدل على عصمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتكتمل جوانب الصورة وذلك قوله: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)} فقوله:

{مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} جملة من شرط وجزاء وقعت موقع الصفة لـ {عَذَابَ}، ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء، أي من وفقه الله لتجنب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدر الله له الرحمة، ويسر له أسبابها، وبالتأمل يتضح أن المقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)} كأنه قال أرجو إن أطعت أن يرحمني ربي، لأن من صرف عنه العذاب فقد ثبتت له الرحمة، فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي، وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول، وهذا ضرب من الكناية، وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه مفردًا من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم. (٢)


(١) انظر الطاهر ابن عاشور "التحرير والتنوير" (١٦١/ ٦).
(٢) انظر الطاهر ابن عاشور "التحرير والتنوير" (١٥٨/ ٦).

<<  <   >  >>