للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حصلت من البلغاء فبأضعاف هذه الجملة، مع عدم تأدية كل المعاني التي تحتويها.

- إن كلمة {قُلْ} هنا تنفي نسبة الوحي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع رفع الاحتشام عنه - عليه الصلاة والسلام - في تزكية نفسه، مع تأكيد المعنى الذي سيقت لأجله، بالتكرار له إلى يوم القيامة وهو - مثلاً - كما في الآية الأولى يرفض الشرك امتثالاً لأمر الله - جل جلاله - وإن أتباعه المؤمنين مطالبون أيضًا بهذا القول، معلنون به، غير راجعين عنه أو مداهنين فيه.

- وقوله: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} أي بمحالفة أمره ونهيه أي عصيان كان، ويدخل فيه ما ذكر في السياق دخولاً أوليًا، وهذا بيان من الله تعالى بحال نبيه المعظم، وهو كمال اجتنابه - عليه الصلاة والسلام - عن المعاصي على الإطلاق (١)، إذ لا معنى لخوفه العظيم هذا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع الوقوع في أي معصية كانت؛ لأن قدر الخوف على قدر العذاب، وبمقدار ما يخاف المرء يمتنع عن الأسباب المفضية لهذا العذاب المهول، وتلك تدل على العصمة الكاملة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢)، والآية رد واضح جلي على من يخالف هذا المعتقد، وتوضيح بليغ لما تُوهمه بعض الآيات القرآنية (٣) بخلاف هذا الرأي السديد، وبالتالي تحمل هذه الآيات على ما يليق بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يوافق آيات العصمة؛ جمعًا بين الآيات الكريمات كلها في هذا الصدد.

- وفي العدول عن لفظ الجلالة إلى قوله {رَبِّي} في الآية إيماء إلى أن عصيانه أمر قبيح، لأنه ربه الذي يربيه، ويقوم على شؤونه فكيف يعصيه (٤).


(١) انظر العلامة أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (١٣١/ ٢).
(٢) لأن وجود الخوف حينئذ يكون مانعًا من أي معصية بغير تفريق بين صغيرة وكبيرة.
(٣) سنذكرها إن شاء الله بعد تقرير آيات العصمة.
(٤) انظر أبا السعود "إرشاد العقل السليم"، والعلامة ابن عاشور "التحرير والتنوير" (١٦١/ ٦).

<<  <   >  >>