معالجة السيرة، لأن المصادر مثلاً هي التي تشكل الرؤية المعرفية للباحث، مع قيمة البحث، أو بالاعتقاد المسبق فيما يكتب حيث يصل بنتيجة بحثه إلى ما يصبو إليه مما كان يعتقد، أو بنظرته وآرائه المكونة ابتداء، مع يقينه بصحة الموضوع في الجملة، والأخير هذا فعل المسلمين من المدرسة العقلية، كـ"محمد الغزالي" في"فقه السيرة"، حيث تحمل من عوامل التهافت والسقوط أكثر مما تحمل من عوامل العقل والإقناع والثبات، وسنبين ذلك في هذا المبحث وغيره، أما الأولون فيمثلهم المستشرقون، إذ ناقشوا وكتبوا بمنهج آخر لا يمت إلى إثبات الوحي بصلة، ونفي علاقة السماء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما حوّل البحث إلى بحث مادي علماني وإن ادعوا التوحيد، وظهر بالتالي أن مقصود بحثهم هو الطعن في محمد والإسلام، وتجريده من صفات المرسلين ودعوة النبيين، ونسف النبوة عنه، والتشكيك في كل ما يدور حول ذلك، لابسين في ذلك سرابيل العلمية والإنصاف، وأمثلهم في هذا السوء هو "وات" الذي يسمي قول وبحث إخوانه من المستشرقين بالغثيان وشدة التطرف فجاء ليقول قولهم ويصل بنا إلى نتائجهم، ولكن بدون غثيان يذكر، أو شدة يلحظها غير المدقق والمحقق.
وباقي الكاتبين المسلمين فمدرستان:
الأولى: قبلت كل ما جاء في كتب المتقدمين من هذه الإرهاصات ودافعت عنها وبعضهم رد على المستشرقين في إثبات ذلك (١)، وقد جمعوا ما صح وما لم يصح من الروايات والآثار، حيث هالهم سوء صنيع هؤلاء، ومخالفتهم للعقل والواقع، وتشكيكهم فيما ارتضوا هم أنفسهم من مصادر السيرة الإسلامية حيث لا يملكون في بحثهم سواها، مع اختراعهم في آخر الزمان لأحداث لم تقع وبنوا عليها للأسف ما أرادوا التوصل إليه من نتائج.
(١) منهم عبد الله محمد الأمين في أطروحته للماجستير "الاستشراق في السيرة النبوية".