للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن ما يقع فهو الدليل بين يدي الآية العظيمة التي ستملأ الدنيا بعد ذلك:

{وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا}، بين يدي النبأ العظيم الذي له حكمته، والفعل المبين الذي يدل به الرب على رسالته ونبوته - عليه السلام -، وهو أمر قد قضى رحمة بالحكمة لا عبث فيه ولا لهو به.

ثم بعد ذلك يظهر من يرفع عقيدته ليقول لقد كانت ولادة محمد ولادة معتادة، ليس فيها وفيها، لا تفرق عن أي ولادة، وكأنه لو قال صاحبت ولادته مجيء جبريل، وحدث وحدث سيكفر بالله، ويمرغ بكرامة العقل التراب، ماذا تساوي تلك الإرهاصات في قوة الله وقدرته وعلمه وحكمته حتى يجادل فيها، وتنفي معانيها، إنها كانت لحكمة كما أراد الله الأولى معرفتها، بدلاً من التشكك في قوته التي لا تقهر، وعلمه الذي أحاط بكل شيء، وما هي إلا عقدة الخواجة والتبعية.

ونذكر هنا ما لا يصح بعد ذلك أن يغيب عن الذهن، بل يثبت في ذكر الباحث وغيره ويكون منه دائمًا على ذكر، ما وقع في سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مثل ذلك، وأنه ليس خارجًا عن علم الله تعالى وقوته وحكمته وقدرته، وتمام رحمته، ومثاله الذي سيصادفنا توًا هو شق صدره الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ديار بني بكر عندما كان عند مرضعته حليمة السعدية وغير ذلك من المرات التي حدث له فيها ذلك.

ترى بعدما حدث مع مريم - عليها السلام - يمكن أن ننكر شيئًا من ذلك؟! بل أكثر منه وأعظم، وإن حدوث ذلك من المعتاد في أفعال الله تعالى، وأن الصحيح مقابلته بالتسليم، وفهم غايته وسمو وجاهته ووجهته، لا أن يتبع فيه الباحث وغيره المبشرين الذين كل همهم نفي الوحي وإلغاء النبوة ووصم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما لا يعقل رفعًا لثقة المسلمين عن دينهم، ورمي الصادق الأمين بالكذب.

<<  <   >  >>