فكانت القاعدة أن ما ثبت صحيحًا عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجب تلقيه بالقبول والإذعان، فكل ما حدث له إذاً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أن لقي الله تعالى لا يخرج عن أمر الله وقدرته وحكمته ورحمته إلى آخر أسمائه الحسنى وصفاته العليا، مما يعد التشكيك فيه أو الرد له، إنما هو رد لما هو آت عن الله جل وعلا وتشكيك فيه.
نعم تحتاج أمور الشريعة إلى مهرة في الكتاب والسنة ومقاصد الشرع ليكون زمام العلم والفهم والتوجيه والإرشاد بأيديهم بعيدًا عن عبث العابثين والأدعياء الجاهلين ليظهروا نور الشريعة المشرق وبعدها عن أي اضطراب وتناقض.
نستكمل نظر بقية آيات قصة عيسى - عليه السلام - إجلاء لبعض العبر التالية لما ذكرنا، بقول الحق تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي ...}.
إن مناداة هذا المولود لأمه لحظة ولادته بما يثبت قلبها، ويذهب حزنها، ويقويها على ما ستواجه من قومها في شرفها وسمعتها، أليس هذا إرهاصًا بأن لهذا المولود شأنًا، يواجه به الدنيا، مستندًا لخالقه، هذا المولود الذي ليس لها فيه أي اختيار إلا البكاء لمنع مجيئه، وإلا كونها المبتلاة بحمله ليس إلا، والتي تتمنى من كل قلبها حال المخاض أن تموت ولا تراه.
أي عقل يدعي عدم إرهاص ذلك الأمر، وأنه إيذان بحدث جليل يملأ الدنيا ويكون علامة من علاماتها البارزة والشاغلة إلى يوم القيامة، إن الآيات تصحبنا مع المولود ليواصل كلامه لأمه بأنه سيتصدى هو لما يعترضها من متوقع المحن، وسيتكفل بالتوضيح والشرح والرد، إظهارًا لمن هو، ليس دفاعًا عن أمه، كأنها لا تحتاج إلى دفع ومناقشة، وإنما تصوم هي عن الكلام لينطق هو، تعرض هي عن من يقابلها من القوم ويتصدر هو، {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} ... {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} ... {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ} ... {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا