للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد، فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة فذرها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه فخاطه، وختم على قلبي بخاتم النبوة، فقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة واجعل ألفًا من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر عليَّ بعضهم، فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا فتركاني، وفرقت فرقًا شديدًا، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد لبس بي، فقالت أعذك بالله، فرحلت بعيرًا لها، وحملتني على الرحل، وركبت خلفي حتى بلغنا أمي، فقالت أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها، وقالت: "إني رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام (١) ".

وروى مسلم قصة الشق باختصار عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - بما نصه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه جبريل - عليه السلام - وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عنه قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله بطست من ماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني مرضعته) فقالوا إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره» (٢).

وقد تكرر شق الصدر كما سنشير فيما بعد عند الكلام على قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)} إن شاء الله تعالى.

ونذكر قبل الخوض في بحث المسألة حكمة شق الصدر، فشق الصدر لا ريب إرهاص مبكر للنبوة؛ لأنه تطهير من حظ الشيطان، وتهيئة للعصمة وإعداد لها وللوحي من صغره؛


(١) ابن كثير، السيرة النبوية (١/ ٢٢٩).
(٢) مسلم، الصحيح (١٤٧/ ١)، وابن كثير، البداية والنهاية، ()، والبيهقي، دلائل النبوة، (١٣٦/ ١).

<<  <   >  >>