للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيعتصم من الشر وعبادة غير الله تعالى، والاستعداد للتلقي عن السماء مصدر الطهارة، فلا يحل في قلبه إلا التوحيد، ومحبة الرب سبحانه، وقد دلت أحداث صباه على تحقق ذلك، فلم يرتكب إثمًا ولم يسجد لصنم، رغم شيوع ذلك في قومه، ومن ثم لم نجد أمرًا واحدًا عَيَّره به الكفرة بأنه كان يعمله مثلهم من قبل أن يقول ما قال، وقد كانت هذه التهيئة كما نطقت الأحاديث بوسائل مادية؛ ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به، وتصديقهم برسالته، واتخذت هذا الشكل المادي الحسي كذلك؛ ليكون الإعلان الإلهي بذلك بين أبصار الناس وأسماعهم، وقد أشارت القصة إلى تعهد الله تعالى لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مزالق الطبع الإنساني، ووساوس الشيطان، وهي الحصانة التي تبين القصة إضفاء الله لها على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (١)

وذلك ليعلم المؤمنون على الأقل شيئًا عن قيمته وقدره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكيف هيئه سبحانه لدعوته ولسياسة البشر دينًا ودنيا لا يريد منهم جزاءً ولا شكورًا إنما ينفذ أمر الله وينتظر في الآخرة ثوابه - سبحانه وتعالى -.

ونضيف إلى كلام السُنَّة الشريفة هذا ما ذكر علم شُرَّاح البخاري الإمام "ابن حجر" حيث يقول في تعليقه قولاً موجزًا يحمل ردًا علميًا عميقًا: "إن جميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيءٌ من ذلك" (٢)

ومعنى كلامه: أن قدرة الله تعالى صالحة لئن يحدث بها ذلك، والموحدون قبل غيرهم يعلمون أن كونًا هو خالقه، لا يستحيل عليه فيه شيء، ومن ثم فهذه الأمور لا تقع تحت


(١) انظر البوطي، فقه السيرة، صـ٥٢، ومهدي رزق الله، السيرة النبوية، (١١٨ - ١١٩)، وأكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة، (١٠٤/ ١).
(٢) ابن حجر، فتح الباري (٣٨٨٧).

<<  <   >  >>