للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٢ - ٣] فهو قسم بالقرآن على القرآن، وهو من بديع القسم، إذ القرآن هو الدليل والمدلول عليه في نفس الوقت، وهو قضية سنعود إلى توضيحها إن شاء الله في حينها.

وضمير {يَسْطُرُونَ} راجع إلى غير مذكور، وهو معلوم للسامعين، فكأنه قال: ن والقلم المكتوب، أي والمسطور، وهو نظير قوله تعالى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣)} [الطور: ٢ - ٣]، لأن ذكر القلم ينبئ بكتبة يكتبون، والمقصود هو المكتوب، فهو بمنزلة الفعل المبني للمجهول، ومن فسر التفسير الثاني للقلم جعل ضمير {يَسْطُرُونَ} عائدًا إلى الملائكة في كتاباتهم ما يلقي إليهم من الله تعالى لتنفيذه، بضبط الكاتب بغير زيادة ولا نقصان.

كل ما سبق يبين ويوضح قيمة الآتي من الكلام، وعظمة معناه، واستقراره وثبوته؛ لأنه لا خُلْف لكلام الله تعالى، فضلاً عن قَسَمِه، ومن ثَمَّ أطلنا شيئًا ما لنبرز تلك الدرجة العليا التي تظهر نبوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصدقها، ومدى صحة الرسالة وأنها وحيٌ من الله تعالى، ولا يمكن أن يكون إلا ذلك. (١)

وأوثر القسم بالقلم والكتابة للإيماء إلى أنَّ باعث الطاعنين على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واللامزين له بالجنون، إنما هو ما أتاهم به من الكتاب، فكان هذا من أقوى التحدي لهم


(١) لأنَّ هذا الكلام إما أن يكون مصدره محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو المكذبين من الكفار وأهل الكتاب وأهل الأرض جميعًا، أو أن يكون مصدرًا آخر. ولا يمكن أن يكون بالعقل هو كلام الكفار، وكذلك لا يمكن أن يكون من كلام محمد، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يزيد في علمه عن علوم بيئته، وكذا في لغته وثقافته، وبدراسة هذا الكلام نجده مبايناً لكلامه، وأعلى في بلاغته وبيانه وعلومه عن بيئته بما لا مجال للمقارنة فيه حتى سجد له أساطين اللغة حينئذ. (علاوة على أن دراسة النص لها موضع آخر) فكان هذا الكلام كلام قوة عليا عليمة محيطة أعلى من كل شيء، ولا يحيط بها شيء، فَدُلُّونَا على قادر عليم، ادعى أنَّ هذا كلامه، غير الله جلَّ وعلا.

<<  <   >  >>