وعندما بلغ من العمر ست سنين توفيت والدته آمنة بـ"الأبواء"(١)، وهي راجعة به إلى مكة بعد زيارته لأخوال أبيه في المدينة المنورة، بني عدي بن النجار.
وحملته مولاته حاضنته أم أيمن إلى جده عبد المطلب بمكة فأحاطه بعنايته وبلغت به شفقته عليه، ومحبته له مبلغًا عظيمًا حتى إن عبد المطلب أرسل محمدًا في طلب إبلٍ له، ولم يبعثه في حاجة إلا أنجح فيها، وقد أبطأ عليه، فجعل عبد المطلب يطوف بالبيت وهو يرتجز:
يا رب رد راكبي محمدًا يا رب رده واصطنع عندي يدًا
فلم يلبث أن جاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والإبل، فاعتنقه، وقال: يا بني لقد جزعت عليك جزعًا، لم أجزعه على شيء قط، والله لا أبعثك في حاجة أبدًا، ولا تفارقني بعد هذا أبدًا.
توفي هذا الجد الشفوق عبد المطلب وللنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانى سنوات، فأوصى به جده إلى عمه أبي طالب أخي أبيه.
وكان أبو طالب قبل البعثة وبعدها شديد العناية بابن أخيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان لا ينام إلا ومحمد إلى جنبه، ولا يخرج إلا معه، وقد صح ذلك في رحلته إلى الشام ومقابلته لبحيرة الراهب، وظل يحوطه بعنايته إلى أن توفي قبل الهجرة بثلاث سنين.
وكان في صباه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرعى الغنم، وقد ثبت أنه عمل في رعيها لأهل مكة مقابل
(١) الأبواء: قرية نت أعمال الفُروع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، معجم البلدان (١/ ٧٩)، معجم البلدان (١/ ٤٤)، باب الهمزة والباء وما يليها وانظر طرهوني، صحيح السيرة، (١٥٧/ ١)، وحواشيه في تصحيح هذه الروايات وتحسينها.