للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قراريط (١)، وقال في ذلك عليه الصلاة والسلام: «ما من نبي إلا وقد رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» وكان يرعى غنم أبي طالب، وكان في ذلك يساعده لكثرة عياله، ومراعاة لحاله.

وإن من أبرز الحِكَمِ في رعي الغنم كما قال ابن حجر (٢): "قال العلماء الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة؛ لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسابق، وعلموا اختلاف طباعها، وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المجاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأُمَّة ... " ثم قال: "وفي ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك بعد أن علم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه، والتصريح بمنته عليه، وعلى إخوانه من الأنبياء".

وقد تجلى في ذلك إحساسه الدقيق، مع ذوقه العالي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ إنه ما إن أنس في نفسه القدرة على الكسب حتى أقبل عليه ليرفع شيئًا من مؤنة الإنفاق على عمه، وقد اقتضت حكمة الله أن نفهم أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بجهده وعرقه وأن قيمة الإنسان فيما يقدمه لمجتمعه من نفع قدر طاقته.

وأصحاب الدعوات لا قيمة لهم إذا كان كسبهم من عطايا الناس وصدقاتهم، بل يجب ألا يكون لأحد عليه منة تمنعه من القيام بدعوته والصدع بكلمة الحق (٣).


(١) رواه البخاري (فتح الباري ١٤١/ ٤، ٤٣٨/ ٦)، وصحيح مسلم بشرح النووي ٥ - ٦/ ١٤، وقد ذكر ابن حجر أن للعلماء قولين في معنى قراريط، أولهما: القيراط جزء من الدينار أو الدرهم، وثانيهما: أن قراريط اسم موضع بمكة.
(٢) ابن حجر، الفتح، (٥٤٥٣)، مهدي رزق الله، السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، (١٢٤).
(٣) البوطي، فقه السيرة، (٥٤ - ٥٥).

<<  <   >  >>