للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بناء على ما تقدم جاءت قصة بحيرى ..

فمن محبة أبي طالب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وظهور هذه الصفات النبيلة فيه، اصطحبه أبو طالب في سفرة تجارية له إلى الشام، وكان ثمَّ راهب يدعى بحيرى في طريقهم، فلما حلوا رحالهم نزل إليهم، وكان قبل ذلك لا يكلمهم ولا يلتفت إليهم، وصنع لهم طعامًا، وأخبرهم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو سيد العالمين، وأشار إلى الغمامة التي تظله، وفيء الشجرة الذي مال عليه، ونظر خاتم النبوة بين كتفه الشريف، وعرفه بأوصافه المبشر بها عنه في كتبهم، وأمر وليه أبا طالب أن يرجع به خوفًا من يهود ومن الروم (١).

ونميل للحق مع من ذهبوا لتصحيح هذا الحديث من العلماء نظرًا للردود العلمية التي فيها مقنع كاف بذلك، وردود - حسب نقد الروايات الشديدة عند علماء المسلمين – قوية على حجج أولئك الذاهبين إلى إنكار الرواية من العلماء.

والآن نعرج على بعض الآيات القرآنية – كما هو منهجنا في هذه الدراسة – ثم نعود إلى مناقشة "وات"، وهذه الآيات هي دراسة شيء ما جاء في القرآن الكريم يؤيد هذه الجزئية،


(١) _ اختلف العلماء في هذا الحديث قديمًا وحديثًا، فقد حسنه الترمذي وصححه الحاكم (٦١٦/ ٢)، والألباني في حاشية فقه السيرة للغزالي (٦٨)، ودفاع عن الحديث النبوي (٦٢ - ٧٢)، قال "وإسناده صحيح كما قال ابن الجزري"، ومحمد الصادق عرجون، محمد رسول الله، (١٦٩ - ١٧١/ ١)، وشعيب وعبد القادر الأرناؤوط على حاشية زاد المعاد (٧٦/ ١)، وابن القيم صاحب الزاد (٧٦/ ١)، وابن حجر، وقال: "رجاله ثقات، وليس فيه سوى هذه النقطة – أي ذكر أبي بكر وبلال – فيحتمل أن تكون مدرجة فيه منقطعة من حديث آخر وهمًا من أحد رواته" نقلاً عن شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (١٩٦/ ١). وأنكر هذا الحديث الإمام الذهبي وغيره وقال: "وهو حديث منكر جدًا" تاريخ الإسلام السيرة، (٥٧)، وترى مما سبق الإطالة فيه مدى النزاهة والحياد والعلمية في النقد، وليست لكونها تثبت نبوة النبي مثلاً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصححونها، أو لأنها مما يرد به على النصارى فيدافع عنها، ولم يكن قول أحدهم إذ عرض عليه أن يقول دعها نرد بها عليهم وإنما كان قولهم هو موضوع، لأنهم يراعون بعلمهم وجه الله تعالى، وكما لا يكذبون عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكذبون له، وإنما رائدهم ما صح عنه فيسلمون به، خلافًا لهؤلاء المستشرقين في افتراء الأقاويل، وتصحيح الأباطيل ليصلوا إلى النتيجة المحسومة عندهم سلفًا.

<<  <   >  >>