ويكمل صورة السيرة، لتكون قرآنًا وسنة، مع مسح رأى المستشرقين الذين أرادوا تشويهها.
وسنقتصر هنا على آيتين كريمتين تؤيدان القصة، ومن ناحية لو لم تكن القصة موجودة لكانتا مع غيرهما من الآيات التي أرجأنا ذكرها لمكان آت كفيلة بتوضيح أو رسم هذا الجانب من سيرته المشرفة كسيرة قرآنية، نسوق الآيتين أولاً ثم ننظر في تحليلهما ودلالتيهما:
بالنظر في تحليل وتفسير الآيتين رأيناهما يستدلان على أن المقصود بهما هو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكن من وجهين لا كما يبدو من أول وهلة؛ ففي الآية الأولى الضمير المنصوب في
{يَعْرِفُونَهُ} عائد على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما علم من الكلام السابق، وتكرر خطابه فيه من قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا}[البقرة: ١٤٣]، وقوله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ}، وقوله:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً}، وقوله:{فَوَلِّ وَجْهَكَ}[البقرة: ١٤٤].
فالإتيان بالضمير بطريق الغيبة من الالتفات، وهو على تقدير مضاف أي يعرفون صدقه، أو يعرفونه بصفاته وأخلاقه وزمانه ومبعثه ومهاجره إلى آخره معرفة لا تقبل اللبس كما يعرفون أبناءهم معرفة جلية متحققة، وأن معرفة هذا الحق ثابتة لجميع علمائهم، كمعرفة الأبناء بسبب تعلق الآباء بهم، فيكون التملي من رؤيتهم كثيرًا فتتمكن معرفتهم تمام التمكن.
وهؤلاء الذين آتاهم الله الكتاب {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} هم أحبار اليهود والنصارى