للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به جبريل - عليه السلام - من السماء حتى أتمه.

وروى البيهقي أيضًا أنه عندما انهدم البيت بنته العمالقة، وعندما انهدم للمرة الثانية بنته جرهم، وعندما انهدم للمرة الثالثة بنته قريش ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل شاب ... (١)، فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود إلى مكانه اختصموا فيه، فقالوا نحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أكد ذلك ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السير أن قريشًا اختلفت في وضع الحجر الأسود في مكانه، قالوا: اجعلوا بينكم حكمًا، فقالوا أول رجل يطلع من الفج، فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا أتاكم الأمين، فقالوا له، فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم، فرفعوا نواحيه، فوضعه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكانه المطلوب، هذا علاوة على ما كان منه في نقل الحجارة مع العباس في بناء الكعبة إذ شاركهم بأعظم جهد ممكن وأخلصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلى أن جاء دور الحجر الأسود كما في القصة الآنفة الذكر ولولا حكمة الله وهداية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا الحل، بعد اختيارهم وارتضائهم لقضائه بينهم لسفكت الدماء، فقد روي أنهم اختلفوا إلى حد أن قرَّب بنو عبد الدار جفنة مملؤة دمًا، ثم تعاهدوا هم وبنو عدي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم، ومكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسًا دون أن يردها إلى الوفاق رأي أو تدبير، حتى كان خمود نار الفتنة على يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢).

ونعود إلى ما دعانا إلى ذكر هذا المبحث، وهما الأمران اللذان ذكرنا في البداية:

والأول: هو ارتضاء قريش عن بكرة أبيها لتحكيمه ممثلة في رؤساء بطونها وقبائلها، والعمل بما رأى، لكونه كان الأمين عندهم.


(١) البيهقي، "دلائل النبوة" (٥٦ - ٥٧/ ٢)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٤٥٨/ ١) وصححه وأقره الذهبي.
(٢) انظر ابن اسحاق، ابن هشام، "السيرة النبوية" (١٢٦ - ١٢٧/ ١)، تحقيق محمد فهمي السرجاني وخيري سعيد ط المكتبة التوفيقية.

<<  <   >  >>