والمستهزئين وغيرهم، ورفع رايته في الأرض، والتمكين لدين الله تعالى، مع ثواب الآخرة الدائم الذي لا ينقطع ولا يبيد.
وقد أكد هذا الثواب بـ {إِنَّ}، وبلام الابتداء وبتقديم المجرور في قوله {لَكَ}، وهو برهان جسامة هذا الأجر، وضخامته ووصوله إلى مرتبة لم يصل إليها أحد، دليل ذلك قوله {لَكَ} التي تفيد الاختصاص، بمعنى أنَّ هذا الأجر لك لا لغيرك، لم يحزه غيرك كائنًا من كان، فيدل ذلك على علو مرتبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولما صح ووقع ذلك في الدنيا كان عنوانًا من عناوين صحة النبوة، وصدق الرسالة، فمن من المرسلين أو غيرهم رفعت رابته وانتشر دينه، ودام قوله، واستمرت تعاليمه على نحو ما كان له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع ما حدث من مجابهة وحروب لم يعلمها على الحقيقة والتفصيل إلا الله جلَّ شأنه.
ودلَّ كذلك أنه سيد ولد آدم يوم القيامة إذ هو أعلاهم وأعظمهم، فهو أعلاهم منزلة، صاحب الوسيلة التي لا تنبغي إلا لأحد من خلق الله، هو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقيمة هذا الأجر وبقاؤه يوضحه قوله سبحانه وتعالى:{غَيْرَ مَمْنُونٍ} لا منَّ فيه: أي لا أذى فيه من المعطي للمعطَى له، من تعديده عليه، أو افتخاره به، وذكره له كما قال تعالى:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}[البقرة: ٢٦٤] ويجوز أن يكون {مَمْنُونٍ} غير مقطوع عنه، وهو الثواب المتزايد كل يوم، أو الأجر الأبدي الذي لا يفنى، فكانت كلمة {مَمْنُونٍ} لها من الإيجاز بجمع هذين المعنيين ما ليس لقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} [هود: ١٠٨] في سورة هود، وهو هنا مناسب لتكريم (١) النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولتبيان أعظم ما له من الثواب عند الله تعالى، فهو لا يصل إليه أحد فضلاً عن أن يدانيه، إذ هو له خاصة لا يشركه فيه غيره، ولا أذى