فيه، مع تزايده وأبديته فكان ذلك تأنيسًا وتثبيتًا لقلب الرسول مع البشرى والوعد الجميل بما لا مزيد عليه.
وبعد أن آنس نفس رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الوعد، جاء المقسم عليه الثالث، وهو قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤] فسفَّه رأي أعدائه بقولهم مجنون، ودفعه بما يذهبه ويبطله مما يعلمه قومه، فحقق أنه متلبس بخلق عظيم، وذلك ضد الجنون، وقد أكد بمؤكدين بحرف {إِنَّ} وبلام الابتداء أي أنه كلام لا يدع مجالاً لشك أو تردد، وكأنه يؤكد الواقع الذي لا يمارون فيه، ولا يكذبون به (١).
والخلق: طباع النفس وعاداتها وسجاياها، وأكثر إطلاقه على طباع الخير إذ لم يُتْبع ينعت.
والعظيم: الرفيع القدر، وهو مستعار من ضخامة الجسم، وشاعت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة.
والخلق العظيم هو الخلق الأكرم في نوع الأخلاق، وهو البالغ أشد الكمال المحمود في طبع الإنسان، لذلك فالخلق العظيم أرفع من مطلق الخلق الحسن، فلاجتماع مكارم
(١) وقد يقول قائل: بل قد ورد قول المنكرين له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنه ساحر كذاب وغيرها، والرد أنه يكفي أن القرآن الكريم ذكر بنفسه هذه الافتراءات ولم يخف شيئًا منها؛ لأنه لا يأبه بها إذ لا يخشى شيئًا من ذكرها، مما يدل على أنها على غير الحقيقة، وأنها مما لا يخيف الواثق من نفسه، فضلاً عن أن تهزه أو تزلزله. ثم إن القرآن الكريم قد جابههم بالرد فلم ينكروه كقوله تعالى: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.