للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - وجاء في صحيح الأخبار أن الله تعالى لما أراد هدى "زيد بن سعنة" - الحبر اليهودي - قال: "إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا"، وجهل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى تأكد من هاتين الخصلتين (١).

٤ - ومما يجدر الإشارة إليه أيضًا إسلام الحبر الكبير "عبد الله بن سلام" واسمه في اليهودية الحصين بن سَلاَم، حيث قال فيه اليهود قبل أن يعلموا بإسلامه لما سألهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أي رجل الحصين بن سلام فيكم؟ " قالوا سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وعالمنا، فخرج عليهم، وقال: يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله وأومن به وأصدقه وأعرفه، فقالوا كذبت ثم واقعوا بي، قال: فقلت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت، وأهل غدر وكذب وفجور! قال: فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها (٢).

ونختم هذه العجالة عن اليهود بآية أخرى من القرآن الكريم، تثبت علم اليهود بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وانتظارهم له، وأن ذلك كان مشهورًا بينهم، وما أخفاه بعد ذلك إلا كبراؤهم حسدًا وبغيًا، ويأتلف بذلك الوارد من القرآن الكريم مع السنة النبوية، وتتأيد به الروايات، وهذه الآية الكريمة هي قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩]، وقد نزلت في يهود المدينة، حيث كانوا يعرفون أن زمان بعثة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اقترب،


(١) انظر الذهبي "السيرة" (٩١ - ٩٣)، ود. مهدي رزق الله راجع ما نقله من هامش سيرة الذهبي (١٤٣).
(٢) ابن هشام "السيرة النبوية" (١١٤ - ١١٥/ ٢)، وقد أخرج البخاري هذه القصة مختصرة برقم (٣٣٢٩)، وقد رواها ابن هشام عن ابن إسحاق أيضًا.

<<  <   >  >>