ب - أما المفاجأة الأخرى فهي التمني، حيث كان رد فعل ورقة على كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون جذعًا عند إخراج قومه له من مكة، ولو كان له به علم أو سبق حديث بينه وبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكان رد فعله عاديًا لا تمني فيه ولا رجاء إذ هو قد علم محمدًا ذلك من قبل وشد أزره، ولما فوجئ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضًا بهذا الخبر الذي لا مدخل للعقل والفهم فيه، بل هو مما يعلمه ورقة من الكتاب أي الإنجيل الذي كان يقرأه.
وهاتان المفاجأتان قد وضعتا ورقة في مكانه الصحيح الذي يبحث عنه، وهو الدين الحق الذي يود اتباعه، حيث وجد من نزل عليه ناموس الأنبياء، ودلت أوصافه على صدقه وعلى كونه هو النبي المنتظر الذي يود ورقة أن يفديه بروحه ويقف دونه بنفسه.
وهكذا يتضح من كلام ورقة الذي يعرفه "وات" ويستدل به لكن للأسف على طمس الحقائق وإخفاء إسلامه، وإيمانه بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولنا عود نستكمل به كلام ورقة في الاستدلال على الوحي حيث ذكر ذلك "وات" مستدلاً به على باطله بما يخالف العقل والنقل، أين الإشارة فقط إلى إسلام ورقة في كلام "وات"؟
وهنا سؤال نذكر به، وهو على أي المصادر إذن يعتمد "وات"؟ إذا تفحصنا بتأمل هذا الهراء منه ثبت أنه لا مصادر له، وأن ما رتب من مصادر إسلامية فهي غير معتمدة عنده مع أنه لا مصادر له سواها لأنه لم يكن هناك خواجات يكتبون السيرة ويؤرخون أيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعده لأن الصحيح منها يرده "وات" ولا يحتج به، لأنه لن يصل به إلى النتيجة المعدة سلفًا، وأن الشاذ الباطل، والموضوع غير الصحيح هو مرتكزه بعد شيء آخر من التحريف والتلفيق ليخرج كما يريد، إذ ليس كل الباطل أيضا يسعفه في إثبات قضاياه.