وهذه الروايات كذلك تُثِبّت إيمان الموحدين في كل زمان بصحة تلك الرسالة، وأنها غضة كما أنزلت لم يمسسها من رجس المعاندين ما يدنسها أو يشينها، وأنها كالصخرة تتحطم عليها قرون الناطحين بالباطل، الرادين بالزور من القول لهذا الحق الباهر الصامد لهذه الهجمات المخبولة طوال هذا التاريخ.
ونلاحظ أن هذه الروايات، خاصة من أسلم من أصحابها أنهم كانوا ذوي علم وشرف في أهلهم، علاوة على أن سيرهم قد وافقت إيمانهم، وأنهم افتدوا هذا الإيمان وذلك الرسول الداعي إليه بأرواحهم وأولادهم وأرضهم وأموالهم ورأيناهم في تلك المواقف التي تطير فيها الرءوس، وتزهق فيها المهج والأرواح ثابتي الجنان راسخي الأقدام يدفعون بصدورهم العارية عن هذا الدين، وذلك معلوم في الفتوحات وحروب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقتال من ارتد عن هذا الدين بعد وفاة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإنه لمن سوء طالع "وات" ألا يسوق شيئا من هذه الروايات، ومصادره إسلامية - بالطبع - وقد ذكرتها - حتى يتبين للقاصي والداني حقده الدفين على الإسلام، وكذلك يتضح لكل ذي عينين أنه لا إنصاف ولا حياد ولا علم وإنما هو يكيل التضليل بالمكيال الأوفى، ومن ثم نسوق هذه الأدلة من ضمن ما نسوقها له، تدليلاً على منهج المستشرقين في إخفاء الحقائق.
وتبين هذه البراهين الدوافع لرفض الإسلام، والاعتراض عليه؛ ليتميز للقارئ قبل المؤرخ الأسباب المانعة من الدخول في الإيمان ليكون على بينة من أمره، وأمر أولئك الجاحدين المنكرين، وأقرب الأمثلة لليهود والنصارى قصة عبد الله بن سلام، وهرقل قيصر الروم، فالأول بين أن اليهود قوم بهت وغدر وخيانة وأنهم إن علموا بإسلامه بهتوه، وهذا ما صح به الحديث فكان المانع هو الكبر والمعاندة والجحود لهذا الحق، وأما قيصر فكما