العزلة والخطيئة التي ذكرها هي الرجوع في قَسَم أو عدم القدرة على الوفاء به، فما علاقة ذلك بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في كل مرة يذهب إلى مكة فيقسم على شيء أو لا يستطيع الوفاء به فيذهب إلى حراء ليخرج من هذه الخطيئة ثم يعود إلى مكة فيتزود خطيئة أخرى ثم يرجع إلى حراء ليخرج منها وهكذا لا يحتاج ذلك تعليقًا يخط به القلم ما يضيق به الصدر.
لذا أطلنا سابقًا في شرح ذلك وأن الكلمة لها معناها كما ذكر أساطين اللغة إذ المرجع فيها إليهم لا إلى "وات" وغيره عربًا أو عجمًا، وذكرنا سبقها للتأثيرات اليهودي - مسيحية إذ هي معروفة في الجاهلية، وقد وردت عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في فجر الرسالات. وليعرف "وات" ذلك فما حجته ليحتج بـ " هـ. هيرشفيلد" في اشتقاق الكلمة.
أما تفريغ الاعتكاف والعزلة من مضمونه فهو من كوميديا "وات" إذ جعل الاختلاء في حراء وسيلة لهروبه من حرارة مكة لمن لا يستطيع الذهاب إلى الطائف – للاصطياف طبعًا.
ومعنى كلام "وات" أن سيدنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يستطيع الذهاب إلى الطائف لضعف الإمكانات المادية مع أنه القائل قبلها إنه أصبح لديه رأس مال يكفيه للحصول على نصيب متوسط من الأعمال التجارية، وأنه وضع قدمه على أول درجة على الأقل من درجات النجاح الدنيوي، وأن التجار لم يستبعدوه تمامًا من معظم العمليات المربحة، فمثل هذا لا يستطيع أن يذهب إلى الطائف؟! وهو الذي يذهب وقتًا طويلاً كما يدعي "وات" إلى الشام.
لنترك ذلك جانبًا فأين الغار الذي يتسع لفقراء مكة وهم الكثرة الكاثرة في الصيف، ليصعدوا إليه ليتخففوا من قيظ مكة، وهو غار كما هو معلوم لا يسع أكثر من فرد قائمًا، ثم أين محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طوال سنين القيظ والحر قبل أن يهتدي إلى هذا المصيف الآمن وأين ذلك كله