للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى: أنه جاء بعد نزول الوحي مباشرة، ولم يكد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخرج من غار حراء - حيث كان متحنثًا معتزلاً -، وكأنه تأكيد على أهمية ذلك، وأن الإسلام جاء بالتأكيد عليه، وطلبه منه، واستمراره عليه، ولكن على طريقة الإسلام، وتراتيب الإيمان.

الثانية: أنه جاء في سياق مقومات تربية القرآن الكريم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأتباعِهِ حتى يتأهلوا للفوز في الأولى والآخرة، ولكي يتحملوا تبعات ومسئوليات الدعوة، ومشاقها، وما سوف يلاقون جراء هداية الناس إلى الله - سبحانه وتعالى - من مصاعب عظامٍ، ويتجشموا من أعباء ضخمة، لا يتحملها إلا من وقف في هذا المحراب متحققًا بتلك الصفات، قال - سبحانه وتعالى -: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: ٢ - ٥] ... إلى آخر التوجيهات والأوامر والوصايا، التي لما قام بها هذا الرعيل الأول رأينا كيف تحمّلوا ودَانَت لهم الدنيا. وكلما تحقق بها المؤمنون في أي زمن ومكان سادوا وانتصروا.

أطلتُ في هذه الجزئية لتكون ردا مسبقًا على تعليق "وات" على الاعتكاف، حيث فرغ اللفظ من معناه، والاعتكاف من هدفه ومضمونه، وغيره. فأما اللفظ فملأه بمعان لا علاقة لها بالواقع فضلا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد جعل "وات" أن أفضل الآراء أنها مشتقة من العبرية (١) والتي تعني التعبد لله - سبحانه وتعالى -؛ أو أنها أصيلة في العربية وتعني فعل ما يخرج به من الخطيئة أو الجريمة؛ ومعنى هذا أنها إذا كانت تعني التعبد فهي مشتقة من العبرية، وإذا كانت تعني الخروج من الخطيئة فهي عربية الأصل، مع أنه صَدَّر الكلام بقوله: المعنى الدقيق والاشتقاق غير مُؤَكّد لكلمة التحنث.

فإذا كانت عن خطيئة فهي ملصقة بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإذا كانت رياضة تعبدية فهي عبرية وتبين كما قال قبلها التأثيرات اليهودي - مسيحية على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعلُهُ فيها مثل الرُّهبان في


(١) "وات"، "محمد في مكة" (١٠٩) مع الهامش.

<<  <   >  >>