للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمرًا ذاتيًا، ولا تأملاً باطنيًا، وأنه لا تعلق له باللاوعي، أو الوعي واللبيدو الذي يدعيه "وات"، بل إن الوحي يتم من خارج الذات المحمدية المتلقية له، خاصة وأنه متضح لكل عاقل أن ظاهرة الوحي لم تأت منسجمة أو متممة لشيء مما قد يتصوره أو يخطر بباله، وإنما طرأت طروءًا على حياته وفوجئ بها، إذ ليس من شأن التدرج في التأمل والتفكير (١) بطريقة الكشف التدريجي المستمر أن يأتي له من يضمه ويكلمه، ثم يتركه ويذهب، فلم يكن إذن للرسول من أثر سوى حفظ هذا الوحي وتبليغه، أما بيانه وتفسيره فيتم بأسلوب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أفصح العرب، ومع ذلك وجدنا أسلوبه مغايرًا تمامًا لأسلوب القرآن الكريم.

وإن محاولة "وات" تعليل اختلاف أسلوب القرآن الكريم عن أسلوب الحديث عن طريق علم النفس التحليلي، بدعوى أن القرآن الكريم صدر عن منطقة اللاشعور في حالة ضعف الوعي الخارجي ونشاط العقل الباطن، وأن الحديث صدر عن العقل الظاهر لا شك تبدو متهافتة مجافية للحقيقة مخالفة للواقع، إن ما صدر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حالة الضعف المزعومة قرآن وكلام إلهي لم يستطع بشر أن يأتي به أو بمثله ولو مفترى لا حقيقة له، سواء في حالة الضعف ونشاط والعقل أو في خلاف ذلك، وإن تهافت هذا التفسير يظهر إذا تأملنا فيما صدر عن الحكماء والشعراء والبلغاء من آثار أدبية تتضح فيها الوحدة الأسلوبية مع مرورهم بتجارب تأملية واستنباطية، بل صار الأسلوب أساسًا لتحديد السرقات الأدبية إلى جانب سرقة المعاني. (٢)

إن طمأنة السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأخلاقه الحميدة، وأن مثله لا يؤذيه جنٌ ولا غيره، لدليل على مفاجأتها بما حدث، وإلا لكان ردها هذا هو المتوقع والمنتظر نعم


(١) كما يدعي كارادفو الفرنسي. انظر حاضر العالم الإسلامي (٣٩/ ١)، وانظر د. مهدي رزق الله "السيرة النبوية من مصادرها الأصلية" (١٤٩ - ١٥١).
(٢) انظر د. أكرم العمري "السيرة النبوية" (١٢٩ - ١٣٠/ ١).

<<  <   >  >>