قد وصلنا إلى النتيجة المرجوة، ولما ذهبت به إلى ورقة ليقول لهما: إن هذا هو الناموس الذي نزل على الأنبياء، وذلك منه من أكبر الأدلة على كون الوحي ليس أمرًا ذاتيًا كما ذُكر إذ هو تنزل ملاك الرب على المصطفين من عباده لا علاقة لذواتهم به، بل هو شيء خارج عن النفس هم الوسيلة في تبليغه لا غير، ولو كان الأمر ذاتيًا مع ضعف الوعي أو قوته أو غير ذلك من المفتريات لكان ورقة أولى به، وإن مثل هذا الحدث الجلل، والشأن العظيم لجدير بأن ينسبه المرء إلى نفسه ليحوز به الفخار الذي يعلمه، والشرف الذي لا يدانيه شرف.
ذكرت الروايات التي أشرنا إلى بعضها أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد فترة الوحي وانقطاعه سمع صوتًا فرأى الملك الذي جاءه بحراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه ... إلى آخر الحديث، وهذا يدل على رؤية الملك جبريل - عليه السلام -، ووقع "وات" هنا في مأزقين
الأول: أنه اختار رواية واحدة هي رواية الزهري في قول السيدة عائشة رضي الله عنها أنه جاءه الحق وهو في غار حراء، وبنى عليها ما يأتي من كلامه.
الثاني: أنه اخترع رواية من عنده في رؤية الملك أنه رأى الحق جالسًا على العرش بين السماء والأرض.
ثم خلص إلى أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تعلم بعد ذلك من أهل الكتاب أن الله لا يُرى ذكر أنه رأى جبريل، وبالتالي فهو غير صادق في ادعاء الوحي.
وهذا الكلام الغريب المخترع يبين ميل "وات" عن الحياد الذي يدعي، ويوضح في نفس الوقت الأسلوب الانتقائي الاستشراقي ل"وات" والذي أوقعه في تلك المآزق، يؤكد كذلك على منهج اختراع التاريخ الذي بيناه من قبل، ثم يرد على التاريخ المخترع الذي لا علاقة له بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما يكذب به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإلى شيء من تفصيل ذلك: