للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما باعث الدعوة وما يتعلق بها من جوانبها كافة مجملاً في بعضه مفصلاً في الباقي فهو كما أكدته الآيات الأولى، حيث لم يتركه الله جل وعلا لتقدير أو تحرير أحد وتنظيره، فمنها قوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: ٢ - ٣] الدعوة إلى توحيد الرب سبحانه، وإنذار كل من ذكرنا بذلك، وببقية مضامين الدعوة المحصلة لهذا التوحيد الذي ينبني عليه سعادة الدنيا والآخرة بداية بقوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: ٦] وقوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة: ٣] وقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١].

وذكر عبد الله النعيم في هذا المقام كلام الإمام ابن كثير حيث يقول: "بعث الله محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حين فترة من الرسل وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، فقد كان العرب ممسكين بدين إبراهيم الخليل، فبدلوه وغيره واستبدلوا بالتوحيد شركًا وباليقين شكًا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، وكذلك كان أهل الكتاب، قد بدلوا كتبهم وحرفوها، فبعث الله محمدًا بشرع عظيم شامل كامل فيه الهداية والبيان لكل ما يحتاج إليه الناس من أمر معاشهم ومعادهم، وجمع له تعالى جميع المحاسن، وأعطاه ما لم يعط أحدًا من الأولين والآخرين" (١) فجاءت الدعوة لتكون للناس كافة حتى قيام الساعة، وبحيث يكون محمد - عليه السلام - خاتمًا للنبيين: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] (٢).


(١) مختصر ابن كثير (٤٧٨/ ٣).
(٢) انظر عبد الله النعيم، "الاستشراق في السيرة النبوية" (٧٦).

<<  <   >  >>