للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شعره، قال لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»، قال عثمان بن مظعون: «صدقت»، وعندما قال: «وكل نعيم لا محالة زائل»، قال له عثمان: «كذبت، نعيم الجنة لا يزول»، قال لبيد: «يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟»، فقال رجل من القوم: «إن هذا أيضاً في سفهاء معه، قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى تفاقم أمرهما فقام إليه ذلك الرجل، فلطم عينه فخضرها، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: «أما والله يا ابن أخى إن كانت عينك عما أصابت لغنية، لقد كنت في ذمة منيعة»، قال عثمان: «بل والله إن عينى الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإنى لفى جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس»، فقال الوليد: «هلم يا ابن أخى، إن شئت فعد إلى جوارك»، فقال: «لا». (١)

وكان عم الزبير بن العوام يعلقه في حصير، ويدخن عليه النار، ويقول: «ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.» (٢)

ولم يقتصر هذا الاضطهاد، كما يظن الظان أو يتبادر إلى فهمه على أهل مكة فقط، بل هذا أبو ذر الغفارى - رضي الله عنه - لما سمع خبر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودخل مكة وأخذ يسأل حتى عرف موضع الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – وأسلم فخرج وأعلن إسلامه فضربه أهل مكة حتى أغشى عليه، وكاد أن يموت، فخلصه العباس - رضي الله عنه - منهم (٣)، محذراً لهم بأن غفار يمكن أن تقطع طريق تجارتهم إلى الشام.


(١) الحديث روى من طرق ضعيفة، تدل على أن للقصة أصلاً، خاصة وقد ذكرها الإخباريون، موافقة منهجهم فقد رواها ابن اسحاق، ابن هشام (٢/ ١٠ - ١٢)، والبيهقى في الدلائل (٢/ ٢٩٢ - ٢٩٣)، والطبرانى في الكبير (٩/ ٢١ - ٢٤)، ونقله عنه الهيثمى في مجمع الزوائد (٦/ ٣٢ - ٣٤).
(٢) الحاكم في المستدرك (٣/ ٣٦٠)، وسكتا عنه، وأبو نعيم في الحلية (١/ ٨٩)، بإسناد مرسل رجاله ثقات.
(٣) وهذا طرف ذكره البخاري (ح ٣٥٢٢)، ومسلم (ح ٢٤٧٣ - ٢٤٧٤)، في إسلام إبى ذر.

<<  <   >  >>