الْكَاذِبِينَ (٣)} [العنكبوت: ٢ - ٣]، وإنه لأمر من مهمات هذه الدين، وهو تنقية الصف المسلم ممن لو لم يعلم بحاله، يوشك أن يكون سبب الهزيمة والخسران والانكسار، فلا ينتصر الدين الذى وعد الله بنصره، ومن ثم يحقق فيه سبحانه أسباب النصر وينفى عنه أسباب الهزيمة، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ}[الحج: ١١].
وكان أعظم ما يتمايز به المؤمنون من غيرهم هو الجهاد والصبر، ولذا كانا محك الاختبار ومورد الفتنة قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)} [آل عمران: ١٤٢]، ولا يظن المؤمنون بعد ذلك أن ذلك الفعل من الله يمكن أن يذهب بالدين وبالمؤمنين، بل ذلك من أعظم سبب كسر الكفرة ومحقهم يقول تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (١٤١)} [آل عمران: ١٤٠ - ١٤١].
ولا يعزب وإن حدث ويحدث، عن بال المؤمنين أن طول وشدة البلاء، توقف الدعوة وتؤخر النصر وتشكك في أمر الله، لأن الله يطمئنهم إلى قرب النصر على عكس الظن وتردد الشك في النفس بقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)} [البقرة: ٢١٤].
فكان المؤمنون بعلمهم بتلك القواعد الراسخة التى تثبتهم وتقوى عزائمهم وتشد من أزرهم مستبشرين بالنصر، لا يتطرق إليهم البأس ولا الحزن ولا الضيق، ولا يستوحشون من طول الطريق وكثرة العقبات، صامدين متوكلين على ربهم واثقين في قرب نصره ونزول فَرَجهِ.
إن مما يلاحظه – كذلك – المتأمل في هذا الاضطهاد، أن شدة التعذيب جعلت بعضاً