للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المؤمنين، الذين كادت أن تزهق أرواحهم مما لاقوا يوافقون الكفرة على النطق بكلمة الكفر، إبقاء على مهجهم، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، ولم يؤثر ذلك في إيمانهم أن أخذوا بالرخصة، ولكن آخرين كُثُر ضرب أعلى الأمثال في الثبات على دينهم، والرضا بجوار ربهم إن هم انتقلوا إليه على تلك الحال، رخيصة هينة أرواحهم فو جنب الله تعالى، متوكلين عليه أحسن التوكل، ولم ينسى التاريخ، ولن ينسى تلك المواقف البطولية الحقة لأولئك الأوائل المصطفين من الصامدين، ليصيروا بذلك القدوة لأصحاب المبادىء في كل زمان ومكان.

يقول ابن كثير في تعليقه على موقف عمار بن ياسر من التعذيب: «ولهذا اتفق العلماء على أنه يجوز أن يوالى المكره على الكفر إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يستقتل كما كان بلال - رضي الله عنه -، يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل، وكذلك حبيب بن زيد الأنصارى، لما قال له مسيلمة الكذاب: «أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول: «نعم»، فيقول: «أتشهد أنى رسول الله؟»، فيقول: «لا أسمع». فلم يزل يقطعه إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك ... والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه، ولو أفضى إلى قتله، كما قال الحافظ ابن عساكر، في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمى.» (١)

ولا شك أن أعداء الإسلام في كل زمان ومكان عندما يتمكنون منهم يسومونهم سوء العذاب، وخطط الإبادة، وصنوف التعذيب، ولن يكفوا عن استخدام كل الوسائل لإطفاء نور الإسلام، ومحاربة دعاته، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله غالب على أمره.


(١) ابن كثير، التفسير (٤/ ٥٢٥ - ٥٢٦).

<<  <   >  >>