- أما قوله:{فِي بُيُوتٍ} .. فهى المساجد، وأولها ما نزلت فيه الآيات، وهومسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومسجد قباء، فتقديم الجار والمجرور، للاهتمام بتلك البيوت، وللتشويق إلى متعلق المجرور، وهو التسبيح، وأصحابه؛ والتنكير للتفخيم من شأنها، وعلو منزلتها ومكانتها؛ والمراد بالإذن في رفعها: الأمر ببنائها رفيعة، لا كسائر البيوت، وكذلك الأمر برفع مقدارها، بعبادة الله تعالى فيها؛ ويكون عطف الأمر بالذكر على الرفع هنا من قبيل العطف التفسيرى؛ وأياً ماكان! ففى التعبير عن الأمر بالرفع: بالإذن، تلويح بأن اللائق بحال المأمور، أن يكون متوجهاً إلى المأمور به ناوياً لتحقيقه، كأنه مستأذن في ذلك، فيقع الأمر به موقع الإذن فيه.
وهذه البيوت رُفِعَتْ لذكره سبحانه وتعالى، أو بذكره وعبادته؛ وذكره يعم جميع أذكاره سبحانه وتعالى، وتكون {فِي} متعلقةً بقوله: {يُسَبِّحُ لَهُ}، و {فِيهَا} تكريراً لها، للتأكيد والتذكير بها؛ والتقديمُ: للاهتمام، لا لقصر التسبيح في هذه البيوت فقط، فتنزيه الله وتقديسه حالُ المؤمن في كل الأوقات.
لذا قال: {اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (٣٦)} [النور: ٣٦].
- ثم قال:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ}[النور: ٣٧].
وهي صفة لـ {رِجَالٌ}، مؤكدة لما أفاده التنكير، من الفخامة؛ وهي تعنى أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولاً، ثم من كان مثلهم في التعلق بالمساجد؛ وهذه الصفة أيضاً مفيدة لكمال تبتلهم إلى الله تعالى، واستغراقهم فيما حكى عنهم من التسبيح، من غير صارف يلويهم، ولا عاطف يثنيهم، كائناً ما كان.
وخص التجارة بالذكر لكونها أشهر أعمالهم، وأقوى صوارفهم، فهم لايشغلهم نوع