هو موجود، أو مما يفرضه الواقع؛ وأما التنظيمات الإدارية، فكثيرة في مسئولية كل عشيرة، في مشاركتها الدولة في القيام بشؤونها، وإعداد رسلها، وجنودها ونقبائها، مع القيام بتنفيذ أمور الدين، وإبلاغ أعمال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأموره ونواهيه، ووصاياه إلى غيرها، والقيام بمصلحة كل فئة، وترتيب كل الأمور، الترتيب اللائق بها في مثل هذا الواقع، ولمثل هذه الأعمال، تحت القيادة العامة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
- وكما أكدت الوثيقة ما سبق، فقد أكدت على المسؤلية الجماعية، وأن سائر المؤمنين مسؤلون عن تحقيق الأمن، والعدل، في مجتمع المدينة، خاصة، وأن الحدود الشرعية، وأوامر الشرع، وما يتعلق بشيوع المعروف في المجتمع، كل ذلك من الله تعالى، فكان تطبيقه واجباً دينياً على جميع المؤمنين، ومن ثَمَّ نَصَّت الوثيقة على أن أيدي المؤمنين المتقين، على كل من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم، أو إثماً، أو عدواناً، أو فساداً بين المؤمنين، وأيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم، وبذلك كان المؤمنؤن المتقون - لكمال إيمانهم عن غيرهم من المؤمنين، الذين يمكن أن يقعوا في مثل ذلك - أحرص من سواهم على القيام بواجبات الدين تلك، وكان مثلاً لذلك، القتلُ، حيث فيه القصاص، إلا أن ينزل أولياء القتيل إلى الدية أو العفو، بينت الوثيقة فيه أنه إن اختار أولياء القتيل القتل أو الدية، فإن المؤمنين جميعهم، بمن فيهم أولياء القاتل، يتعاونون في تطبيق الحكم عليه، وعدم حمايته أو إيوائه، ومن خالف ذلك فعليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، لا يُقْبل منه صرف ولا عدل.
- وأقرت الوثيقة مبدأ الجوار (١)، وجعلته حقاً للرجل والمرأة على السواء، وهو من دقة المساواة الواقعة بين المؤمنين، بحيث لا يجوز لأحد أن يخفر مسلماً في جواره، إذ ذمة المسلم - أياً كان - محترمة، لا يتعدى عليها حاكم أو محكوم، ولكنها منعت من بقى على شركه من الأوس والخزرج أن يجير قريشاً، أو تجارتها، التي تمر غربي المدينة، إذ في إجارة العدو شيوع
(١) جوار بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح، جاور بنى فلان أي تَحَّرم بجوارهم، لسان العرب باب «جور».