والتزام ذلك جعل من خرج فهو آمن، وأكد على البر والصدق والتقوى، في تنفيذ تلك العهود، فجاءت تلك الكلمات المنيرة، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة، وأصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإن الله جار لمن اتصف بذلك، ومحمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
توضح كتابة الصحيفة - نفسها -، وما حوت من بنود، أن السلطة العليا في المدينة، كانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن الواقع الذى لا يستطاع دفعه، أنه لم يكن يُنطق بسلطة أخرى لأحد، يقرر علاقات المدينة الخارجية، وشئونها الداخلية، أمنية واجتماعية واقتصادية من المنطلق الإسلامي، وإعلانها الحرب والسلم، إلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مما يؤكد على علو مكانة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، التي لا مراء فيها من ناحية، وعلى صحة بنود هذه الوثيقة من ناحية أخرى.
كما تبرز الوثيقة علاقات هذا الدين الحق، وعلوها ورقيها، وهذا ما كان ينبغى أن نقارنه بآيات من القرآن الكريم لاستكمال المنهج ولكن الإختصار دعانا لذلك.
وات والوثيقة:
لابد من مناقشة المستشرق "وات"، ولو على أقصى سرعة، لإيقافه على محطات الخطأ في سيره مع الوثيقة، وتبيين مواقف الصواب، مع علمنا بدوافعه وبواعثه، التى ذكرناها أكثر من مرة، ولكن بدون تكرار.
إن نقد "وات" الشديد للوثيقة، كان من ثلاث نقاط:
الأولى: دستور المدينة صحةً وتاريخاً.
الثانية: معنى الأمة في هذا الدستور.
الثالثة: مكانة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة.
ونبدأ بالقضية الأولى؛ ونناقش "وات" فيها من زاويتين، حيث تتلخص رؤيته فيهما