للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبداية الرد السريع المختصر؛ لأن كل سطر عند "وات" يحتاج لنقد لا ينقضى عجب المرء منه، وكيف استجاز ذلك على عقله ونفسه!

إن كلامه من أول سطر يناقض قرائن الأحوال ووقائعها، ويضرب بعضه بعضاً، فبينما يذكر لنا:

أولاً: كون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زعيماً كغيره، بل هناك من هو أعظم نفوذاً منه؛ فإنه لم يذكر لنا غيره، ولا عِظَم نفوذه، ونحن نُذَكِّره بأن الواقع لم يذكر لنا زعيماً غيره، بيده مقاليد أمور الزعامة في المدينة، سلماً وحرباً، وعلاقات جوار خارجية، وتنظيماً داخلياً. من كان بيده شيء من ذلك عند مجئ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة؟ لقد ذكر كتاب السيرة ابن أُبَىٍّ، وأنهم يعدونه للملك عليهم، فهل ملك بدخول الرسول المدينة شيئاً؟!

وكان على "وات" أن يذكر أي انسان آخر يُسَيِّر أمور المدينة بما كان يقوم به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خاصة وإن جميع الرسل الذين أتوا المدينة كانوا ينزلون، أو يعاهدون، أو يسلمون لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

هذه مخالفة صارخة للواقع لا يمكن أن يكون الباعث عليها علم أو حياد أو نزاهة.

ثانياً: كون طاعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تجب حتى صلح الحديبية، ويناقض قوله ذلك بدعواه أنهم حُمِلوا بالقوة على الطاعة، وتحكيم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، لنزول الوحى يأمر بذلك.

أما كون طاعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تكن واجبة، فهو إلقاء للقول على عواهنه، بغير بينة إلا الاتهام المسبق، وإلا فوات يعلم - قبل غيره - نزول آيات وجوب الطاعة في أول ما نزل بالمدينة على الأقل، فقد جاءت سورة الأنفال وهي من أوائل ما نزل هناك، وأولها الأمر بطاعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)} [الأنفال: ١] وكل الآيات

<<  <   >  >>