للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يحضرها أي منهم (١). وكأنه يستجيز لهم ذلك، من محاولة اغتيال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغير ذلك مما فعلت النضير وقريظة وقينقاع، دون أن يرد عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأنهم لم يعاهدوه على ذلك، وكأن هذه الأحداث بغير عهد مباحة لهم، لا يعاقبون عليها، فلم يخرج "وات" من مستنقع البحث الآسن، المليء بما وصفنا من قبل.

أما السبب الذى لم يَمْحُه "وات"، حيث جعله من أدلة صحة الوثيقة، هو ضعف مكانة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجعله من أعمدة عدم تزوير الوثيقة، فلما شكك في صحة الوثيقة، إذ به يبقى أعظم أدلة عدم التشكيك فيها بله التزوير بإبقاء هذا الدليل، وإذا أثبت صحة دليل عدم التزوير، فالوثيقة صحيحة فلم التشكيك وإثبات عدم ذلك؛ أو أنه شكك وأثبت عدم صحة الوثيقة فلم أبقى دليل عدم التزوير، بل دليل الصحة عنده؟! الباعث واضح لا يحتاج لتأمل، أو حتى نظر، فهو قد اخترع مكانة للنبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تنطق الوثيقة بعكسها تماماً، ليبنى عليها كل تلك المجازفات، مع عدم المبالاة بعقل أو بحث؛ إلى آخره.

وتتلخص أدلة "وات" - على ما سبق - في أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زعيم قِبَلِّي كغيره، بل هناك من هو أعظم نفوذاً منه، وأن دستور المدينة ليس دليلاً صادقاً على مكانة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حين وصل المدينة، بدليل أنه لم يستطع ملاحقة ابن أُبَىٍّ، حتى طلب الإذن بذلك، وأنه ترك تقرير عقوبة قريظة لزعيم حلفائها، وأن أهل المدينة لم يعترفوا له صراحة بالحكم بينهم، وإنما قبلوا ذلك بالقوة حين ترك الوحى يأمره بالرجوع إلى الله في خلافاتهم كافة، وأن وجوب طاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم تكن صراحة إلا بعد الحديبية، حيث لا يوجب ذلك دستور المدينة. وأن سلطات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأت تتسع تدريجياً) (٢) (.


(١) انظر عبد الله النعيم، الإستشراق في السيرة (١١٢ - ١١٦).
(٢) محمد في المدينة وما بعدها Mohammad at Media p. ٢٢٨.

<<  <   >  >>