فهو المتحمل لتبعة ما ينزل عليه ويحيق به من الكفرة. أَنَّى لهؤلاء أن ينصروا يهوداً، وأن يكون اليهود معهم غير مظلومين، وأين كان اليهود ليلة العقبة كما يدعى "وات"، ليتعاهدوا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويطلبوا منه ألا يظلموا، وهل يُطلب ذلك من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلا في ظل سيادة يتمتع بها المسلمون، متمكنين حالها من أن يظلموا أو أن يكفوا الظلم، وما حدث لهم ذلك إلا في ظل دولة المدينة، فكيف يصرح "وات" بأن هذا البند قد وقع قبل الهجرة؟! وفي هذا الواقع المؤلم؟!
أما البند التاسع عشر، فهو يتكلم عن القتال في سبيل الله تعالى، ووات يعلم علم اليقين أن القتال شُرع بعد الهجرة، وأن تلك الأحوال - في مكة، التى أحاطت بذلك البند - لم تكن ليشرع فيها قتال البتة.
والبند الثالث والعشرون أَظْهَرُ من غيره، إذ ذكر فيه أن مرجعية أي خلاف لأهل الصحيفة، إنما هي لله وللرسول محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ هذه المرجعية العليا - التى قررها الواقع، لتجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحاكم الأعلى - ما استقرت وتحققت وارتضاها المعاصرون لها، الموقعون عليها، إلا في المدينة بعد هجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإذا بوات يقرر بما لا يدخل في عقل أحد - فضلاً عن الباحثين - أن المرجعية العليا كانت له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكة؛ والتى كانت حاله فيها كما هو معلوم من سيرته حتى تركها مستخفياً وهاجر إلى المدينة.
وهكذا رأينا كلام "وات" لا يثبت لأى تحليل أو نقد تاريخى أو نصى، فضلاً عن التحقيق والتمحيص في ذلك.
يقول عبدالله النعيم - ما حاصله -: إن "وات" أوقع نفسه في تلك الورطة، حتى يخرج القبائل اليهودية الكبرى الثلاث - بنى قينقاع، وبنى النضير، وبنى قريظة - من تحمل تبعات الغدر والخيانة للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث لم يوقعوا معه عهودًا؛ لأن العهود كانت في العقبة،