للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عدم إمكانية التزوير؛ والمدققون من المتأخرين ذكروا وقتين لا ثالث لهما، ولكن كان الأول بين المهاجرين والأنصار، والثاني بين المسلمين واليهود، وماذا يخالف الواقع أو العقل في ذلك، وذكرنا بقية الكلام وتوضيحه في محله السابق ليكون رداً مقدماً على كلام "وات".

ثالثاً: مما يؤكد به "وات" تشكيكه في الوثيقة - التى لا يمكن تزويرها - هو أن هناك اتفاقاً أصلياً، وقع في العقبة بمكة قبل الهجرة، بين الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبائل المدينة، وبنوده هي ١٥، ١٦، ١٩، ٢٣.

ومما يثير الأسى، والحزن، على البحث العلمى، وعلى "وات"، أن ينزل بفكره، وألا يحترم عقله وبحثه إلى هذا المستوى؛ إن البند الخامس عشر يتحدث كما ذكرنا عن إجارة المؤمن، أي: له أن يكفل، ويحفظ، ويمنع من أن يتعرض له أحد بأذى، وذلك في الوقت الذى لم يكن للمؤمن فيه أي احترام ولا قيمة من مشركى مكة ومن غيرهم، فكيف يجير غيره في نفس الوقت الذى لا يستطيع أن يمنع فيه نفسه؛ إن إجارة المسلم كانت تكون ذات قيمة بعد الهجرة، لوجود هذا الكيان السياسى، أو أن يكون لهم من القوة والمنعة ما يجعل غيرهم يستجير بهم ليجيروه. ووات يعلم أن ذلك ما كان ليحدث أبداً قبل الهجرة.

ومع ذلك سطر ما قد سمعنا!

وكذلك البند السادس عشر، أَنَّى يكون قد تعاهد فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون - قبل

الهجرة - مع اليهود، وهو ينص على أن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، وكما هو معلوم أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبائل المدينة - أنفسهم - كانوا مستخفين ليلة العقبة، حتى من أهل يثرب (١)، وفي حالة من الاستضعاف، يترقبون بها أن يؤيدهم أحد، أو يدفع عنهم ظلماً مما وقع بهم، بل لا يستطيع كثير منهم أن يعلن إسلامه، ومن عُلمَ إسلامه


(١) ابن هشام، السيرة النبوية (١/ ٦٢).

<<  <   >  >>