للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما هاجر المسلمون إلى المدينة، وقام الأنصار بإيواء المهاجرين، ونصرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونصرة الدين، وصارت للمسلمين بقيادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرض هي دار الإسلام جاءهم الإذن بالقتال، وكان الأمر بالجهاد متدرجاً على حسب كل مرحلة من المراحل التى بلغتها الدعوة، وكان أول ما نزل كما يروى ابن عباس - رضي الله عنه - قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩]. وهو من رواية ابن جرير الطبرى بسنده إلى ابن عباس حيث يقول:

«لما أخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم. إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن. فأنزل الله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: ٣٩]. قال أبو بكر - رضي الله عنه -: «فعرفت أنه سيكون قتال». (١)

وزاد أحمد (٢) في روايته لهذا الخبر، أن ابن عباس قال: «وهي أول آية في القتال»، ولم يكن القتال فرضاً عليهم، بل أُذِن لهم بالقتال دفاعاً عن النفس، ثم جاء الأمر بقتال من يقاتلونهم في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)} [البقرة: ١٩٠].

وهو بذلك يختلف عن القتال والحرب التى شهدها التاريخ الإنسانى، والتى إستهدفت تحقيق أهداف سياسية أو مآرب اقتصادية لأفراد أو جماعات طموحين يريدون العلو في الأرض، فأعلام الحق والعدل والرحمة هي التى يرفعها ذلك الجهاد، وميزته عن أنواع الحروب الأخرى: {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء: ٧٦]، ويقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا


(١) ابن جرير، التفسير (١٧/ ١٢٣)، وابن كثير، التفسير (٥/ ٤٣٠ - ٤٣١).
(٢) أحمد، المسند (٣/ ٢٦٢)، وصححه الشيخ - أحمد شاكر، ورواه الترمذى (٢٥٣٥)، حسنه، انظر د. مهدى رزق الله، السيرة النبوية (٣٢٥)، وانظر محمد أبو شهبة، السيرة النبوية (٢/ ٧٤).

<<  <   >  >>