للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال المنافقون: على سبيل الاستهزاء إن التحويل مجرد عبث وعمل بالرأى والشهوة إذ لا تتميز بعض الجهات عن بعض بخاصيةمعقولة تقتضى تغيير القبلة. (١)

نزلت الآيات متتابعة لتوضح الحكمة من ذلك، وتبين مواقف كل فريق، وتؤكد على أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتوجه هو والمؤمنون إلى الكعبة، وتثبت المؤمنين وترشد سيرهم وليستمروا صامدين تحت الراية المرفوعة - راية الإيمان - سائرين بها مدافعين عنها.

وننظر في الآية التالية التى تبين بقية سيرة القبلة في القرآن الكريم، وهي قوله تعالى:

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)} [البقرة: ١٤٤].

كانت هذه الحالة في الآية الكريمة وهي طلب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ربه ليستجيب له بالتوجه إلى قبلة أبيه إبراهيم - عليه السلام - أول ما ذكر من سيرة النبي - صلوات الله وسلامه عليه - مع القبلة حيث ألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنها الحق - وهو الواقع بتقرير الله تعالى ذلك - وجاءت متأخرة عن الآيات السابقة.

ذلك لأن الآيات السابقة كالتمهيد للنبى - عليه الصلاة والسلام - والمؤمنين لهذه الآية، وهي آية إجابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطلبه بالتوجه إلى الكعبة المشرفة، وكذلك تبيين الحكمة من هذه الاستجابة، فقد وطأ القرآن الكريم لهذا التحويل بالأيه التى ذكرنا وهي: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ}، ثم قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ...} [البقرة: ١٤٣].

ليكون ذلك تثبيتاً للمؤمنين، واعدادهم لمواجهة هذه الكبيرة، وفي نفس الوقت ليفصل لهم موقفهم وقيمتهم في الدنيا والآخرة التى بوأهم الله إياهم، فلا تؤثر فيهم تلك


(١) السابق.

<<  <   >  >>