للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحداث، بل هم أعلى منها وأجل فكان متناسباً غاية التناسب أن يرشدهم إلى علو مكانتهم باستعلائهم بالإيمان في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣].

أي ستسمعون من السفهاء ذلك كله، ولكن حقيقة الأمر أنكم أنتم الأمة الوسط العدول الخيار إذا اعتقدتم شيئاً فهو الحق الذى بلغكم به ربكم، فأنتم الشاهدون على كل أمة أو أحد بصدق ما هم عليه وصحته أوْلا، ليس هم الذين يشهدون عليكم بصحة موقف أو فساده: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: ٤٨]. أنتم المهيمنون الحاكمون بصحة ما عليه الناس كافة أو بنقيضه لا يرد عليكم أحد ذلك الاعتقاد، أو يدفعه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠]. (١)

كان ذلك توطئة قوية لهم ألا يتشككوا إذن أو تنزع ثقتهم فيما هم عليه، أو فيما يتنزل عليهم، إنهم الأمة الوسط التى تشهد على الناس جميعاً، فتقيم بينهم القسط والعدل، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدى فيهم رأيا فيكون هو الرأى المعتمد، وتزن قيمتهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعائرهم فتفصل في أمرهم، وتقول: هذا حق منها وهذا باطل، فهى شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم العدل بينهم ... وبينما هي تشهد على الناس هكذا، فإن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذى يشهد عليها، فيقرر ذلك كله، ويزن ما يصدر عنها، ويقول فيها الكلمة الأخيرة، وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها. (٢)

وبالتالى كانت تلك المقدمات والممهدات للأمة قبل صدور الأمر بتحويل القبلة لتعرفها، ولتستعد لها الاستعداد اللائق، ولتصحح وفقها مفاهيمها وتصوراتها التى


(١) انظر الفخر الرازى، التفسير الكبير (٢/ ٤٧٥ - ٤٧٧)، والطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٢/ ٢٠ - ٢١)، سيد قطب، فو ظلال القرآن (١/ ١٣٠ - ١٣٢)، وغيرها.
(٢) السابق.

<<  <   >  >>