للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوسطية في كل أمورها لتصل إلى مقصدها وتبلغ أهدافها وتفوز بسعادة الدارين.

نعود إلى الآية التى وجه الله تعالى بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين إلى الكعبة، وهي قوله تعالى:

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ...} [البقرة: ١٤٤]. وننظر في تحليلها.

هذا استئناف ابتدائى، وإفضاء لشرع استقبال الكعبة، ونسخ السابق، فهذا هو المقصود من الكلام المفتتح بقوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ ....}.

وقد في كلام العرب للتحقيق، وهنا لتحقيق الخبر، وهو نرى، ولما كان علم الله بذلك مما لا يشك فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يحتاج لتحقيق الخبر به، كان الخبر به مع تأكيده مستعملاً في لازمه على وجه الكناية لدفع الاستبطاء عنه، وأن يطمئنه لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان حريصاً على حصوله، ويلزم ذلك الوعد بحصوله واللازم الثاني هذا كنايه ثانية.

وجيء بالمضارع من قد للدلالة على التجدد، والمقصود كما ذكرنا، تجدد اللازم ليكون حينئذ تأكيداً لذلك اللازم وهو الوعد. (١)

والتقليب هنا هو ترديد وجهه في السماء، وهو تأدب مع الله في الطلب بغير دعاء كما ذكر بعضهم، ينتظر أن يجاب إلى ذلك، يقول الامام محمد عبده: «فسر بعضهم تقلب الوجه بالدعاء، وحقيقة الدعاء هو شعور القلب بالحاجة إلى عناية الله تعالى فيما يطلب، وصدق التوجه إليه فيما يرغب، ولا يتوقف على تحريك اللسان بالألفاظ، فإن الله ينظر إلى القلوب وما أسرت، فإن وافقتها الألسنة فهى تبع لها وإلا كان الدعاء لغواً يبغضه الله تعالى ... فتقلب الوجه في السماء عبارة عن التوجه إلى الله تعالى انتظاراً لما كانت تشعر به روح النبي


(١) انظر الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٢/ ٢٦ -).

<<  <   >  >>