للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترجوه من نزول الوحى بتحويل القبلة. (١)

ويستكمل قائلاً: ولا تدل الآية على أنه كان يدعو بلسانه طالباً هذا التحويل ولا تنفى ذلك».

وقال بعض المحققين: من كمال أدبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتظر ولم يسأل. وهذا التوجه هو الذى يحبه الله تعالى، ويهدى قلب صاحبه إلى ما يرجوه ويطلبه. (٢)

وهذا الكلام والحال الجليل إنما يدل على أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن له من أمر نفسه شيء، وأنه ينتظر الوحى فيما يأتى ويدع، ولو كان الأمر له فما المانع أن يقوم هو بالتحويل للكعبة وأن يدعى في ذلك شيئاً من الإفك المفترى، ثم إن صح هذا فمن أين يخبر بهذه المغيبات التى لا اطلاع لأحد عليها فأخبر بها قبل وقوعها مع حكم وأوامر ووصايا في سياق معجز معنى ونظاماً.

ولقد رأينا القبلة بعد ذلك شأناً ثابتاً للمؤمنين لم يحاور فيه أحد، ولم ولن يمارى فيه صغير ولا كبير إلى يوم القيامة.

جاء بعد هذا الأدب من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله تعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}، فبعد أن كان الوعد بالتحويل في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى}، بأسلوب الكناية، أتى صريحاً مؤكداً معقباً بالفاء، ليكون المعنى أن تولية وجهه للكعبة سيحصل عقب هذا الوعد. وهذا وعد اشتمل على أداتى تأكيد وأداة تعقيب، وذلك غاية اللطف والإحسان. (٣)


(١) انظر الامام محمد عبده، الاعمال الكاملة، تحقيق وتقديم د. محمد عمارة (١/ ٣٣٣ - ٣٣٤)، التفسير الجزء الاول، دار الشروق ط ١، الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠٠٩.
(٢) السابق.
(٣) انظر الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٢/ ٢٧).

<<  <   >  >>