للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعبر بقوله: {تَرْضَاهَا}، للدلالة على أن ميله للكعبة ميل لتصد الخير، إذ الرضى مشعر بالمحبة الناشئة عن تعقل، ومقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترفع عن أن يتعلق ميله بما ليس فيه مصلحة راجحة، فميله للكعبة لأنها أجدر بيوت الله التى تدل على التوحيد، فهى أحرى بذلك من بيت المقدس إذ بنى هو بعدها، على منوالها، ولم يصل لشأوها في ترتيب الله تعالى لبيوته، ويكون استقبال القبلة إيماء إلى استقلال هذا الدين عن دين أهل الكتاب، وهو الأول بوضع الله له - سبحانه وتعالى – ومن ثم كان التعبير بالرضا في محله الاسمى، وجاء مع قبلة أهل الكتاب بالتعبير بالهوى، وهو الميل إلى غير الحق فقال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)} [البقرة: ١٤٥].

ثم جاء قوله مباشرة: {فَوَلِّ وَجْهَكَ}، تفريعاً على الوعد، وجاء معقباً بالفاء تعجيلاً بهذا الوعد، واختص به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما فيه من إرضائه بجميل رغبته، وسيعقبه بقوله تشريكاً للامة معه بقوله سبحانه: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤]، وهو تنصيص على تعميم حكم استقبال الكعبة لجميع المسلمين لجميع أقطار الأرض، لئلا يظن أن الخطاب خاص بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو ببعض الاماكن في مكة أو المدينة، أو ببعض جهات الكعبة. (١)

أما فائدة قوله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} قبل: {فَوَلِّ وَجْهَكَ}، وهلا قال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}، ففائدته إظهار الاهتمام برغبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنها في محل تقدير الله، إذ كل ذلك منه لرضاء ربه وقيامه بأوامره أفضل القيام، وأن رغبته ورضاه بحيث يعتنى بها، كما دل عليه وصف القبلة بجملة: {تَرْضَاهَا} (٢).


(١) انظر الالوسى، روح المعانى (٢/ ١٥)، أبا السعود، إرشاد العقل السليم (١/ ٢٠٨)، والطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٢/ ٣٠).
(٢) انظر الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٢/ ٢٨).

<<  <   >  >>