للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا يبين عظيم قدره، وعلو درجته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خضم تلك الأحداث الكبيرة؛ التى هبت سمومها على المسلمين في تلك الآونة، لتؤكد لهم ارتباطه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسماء، ولتربط على قلوبهم، ولتدعم خطوات اتباعها التى ذكرت الحكمة فيها ومن أجلها.

وننهى الكلام على هذه الآية بالحديث عما ختمت به قبل العودة إلى فهم معنى التوجه ومقصوده إلى القبلة، وختم الآية هو قوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)} [البقرة: ١٤٤].

وهذا التذييل والختم للآية يبين أمرين واضحين في جملة ما وضَّحت دلالة وإشارة:

الأول: وهو أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون بصدق سيدنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حسب البشارة به في كتبهم وأن ذلك يتضمن أن ما جاء به الحق، خاصة وقد عبرت الآية بأوتوا الكتاب دون أن يقال أهل الكتاب لتشير إلى أن المقصود أحبار اليهود وأحبار النصارى، وهم العالمون منهم، والأظهر كذلك أن المراد من بقى منهم على الكفر، فصوغ الكلام على أنهم يخالفون ما يعملون، بانكارهم تحويل القبلة مع علمهم كما ذكرت الآية: {أَنَّهُ الْحَقُّ}، بأسلوب القصر الذى يدل على أن تغيير القبلة هو الحق دون غيره، وهو المبشر به في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم.

الثاني: أن قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)}، كناية عن الوعيد بجزائهم عن سوء صنعهم، وهو عملهم بغير ما علموا بسبب المكابرة والعناد والسفه؛ لأن قول القادر ما أنا بغافل عن المجرم تحقيق لعقابه. ويستلزم وعيدهم هذا المقام الخطابى وعداً للمسلمين على عظيم منزلتهم؛ لأن الوعيد لهؤلاء السفهاء ترتب على مخالفتهم للمؤمنين، فلا جرم سيلزم للمؤمنين جزاء على اتباعهم لتغيير القبلة. (١)


(١) انظر أبا السعود، إرشاد العقل السليم (١/ ٢٠٨)، والطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٢/ ٣٤)، والألوسى، روح المعانى (٢/ ١٥ - ١٦).

<<  <   >  >>