فإذا تعذر استحضار الذات المطلوبة بالحس فاستحضارها يكون بشيء له انتساب إليها مباشرة كالديار، أو بواسطة كالبرق والنسيم ونحو ذلك، أو بالشبه كالغزال عند المحبين، وقال مالك بن الريب:
والله تعالى منزه عن أن يحيط به الحس فوسيلة استحضار صفاته هي استحضار ما فيه مزيد دلالة عليه سبحانه من الصفات.
لا جرم أن أوْلى المخلوقات بأن يجعل وسيلة لاستحضار صفات الخالق في نفس عبده هي المخلوقات التى كان وجودها لأجل الدلالة على توحيد الله وتنزيهه ووصفه بصفات الكمال، مع تجريدها عن كل ما يوهم أنها المقصودة بالعبادة، وتلك هي المساجد التى بناها إبراهيم - عليه السلام -، فبنى الكعبة أول بيت، وبنى مسجداً في مكان المسجد الأقصى وغير ذلك.
فإذا استقبل المؤمن بالله شيئاً من البيوت التى أقيمت لمناهضة أهل الشرك، وللدلالة على توحيد الله وتمجيده، كان من استحضار صفات الخالق بما هو أشد أضافة إليه.
لكن هذه البيوت على كثرتها لا تتفاضل إلا بإخلاص النية وكونها مبنية لذلك، وسابقة فيه، لأن السابق الدال لمؤسس اللاحق على تأسيسه، قال تعالى:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}[التوبة: ١٠٨]، وقال في مسجد الضرار:{لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}[التوبة: ١٠٨]، لأنه أسس بنية التفريق بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.