بعد تأكيد لهذه العقيدة الحقة التى لا تريد إلا الإخلاص لا تبتغى علواً في الأرض ولا فساداً، وإنما تريد علوا للإيمان وأن يرفرف على أرجاء المعمورة رافعاً تكبير الله وحكمه؛ لتصل الأرض بالسماء، مع استعلاء المؤمنين بدينهم لاتصالهم بخالقهم ومعبودهم، مع المناداة حين كل توجه للقبلة بالمساواة والعدل الرحمة وبأن الشرف والكرم والمكانة للتقوى قلباً وقالباً، مع تحقيق روح الإخوة والتكافل والتضامن وإنكار الذات، مع التذكير في كل مناداة بأن كل المؤمنين في الأرض جميعها متجهون نفس الوجهة يدعو أقصاهم لأقصاهم وأعلاهم لأدناهم، ويحزن المتوارى وراء السهول والوديان والجبال للقريب منه والبعيد إذا مسه إذى أو أصابته لأواء، يرجو أن يمكن أن يفديه بماله ونفسه، ويفر ح ويتهلل لكل خبر يأتيه عن سرور إخوانه بنصر أو بما ينشرح به الصدر. وكثير بعد ذلك لا يحوطه به العد، ولا يدخل تحت الحصر إن ما ماجت به المدينة المنورة من جراء تحويل القبلة لم يكن أمام ذرة مما رأينا شيئاً ذا بال، بعدما توالت تلك الحكم وظهرت تلك المنح الآلهية لمن يتبع الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. جاءت غزوة بدر تتويجاً لهذا الاستكمال لهذا التوجه، مع تربية المؤمنين على القيام بضرائب وتكاليف هذا التوجه، وما أوتى من أوتى منهم بعد ذلك في مواقف انكسار إلا بغياب شيء من هذه التوجيهات.