للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منكما» (١)، وهذا من أروع المواقف - مواقف هذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومواقف الإسلام - عندما يستوى القائد والجند في التحمل والبذل، أن يمشى القائد وجنده راكبون، يطلب الأجر بإخلاص وصدق، ويحرص عليه أشد من حرص جنوده، بل ويسابق جنده في تحمل المشاق، ويقاسمهم الآلام والمتاعب، حائزاً فيها النصيب الأعظم، ولا يرضى إلا أن يكون أمامهم في مواجهتها؛ إن ذلك مما يدفعهم إلى التضحية والفداء، متطلعين إلى رضوان الله وثوابه؛ وقد رأينا ذلك في بدر كما سنذكر - إن شاء الله - شيئاً من سيرتهم.

في الطريق، عند بلوغهم الروحاء - مكان على بعد أربعين ميلاً من المدينة - رد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا لبابة، وأَمَّره على المدينة، وكان قد جعل ابن أم مكتوم على الصلاة، وأصبح مرثد بن أبى مرثد مكان أبى لبابة في زمالة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على البعير (٢).

لما علم أبو سفيان بالخطر المحدق بقافلة قريش ورجالها، خاصة وقد تكرر ذلك من المسلمين سأل مجدى بن عمرو - عندما اقترب من بدر - عن جيش الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخبره براكبين أناخا إلى تل، عرف أبو سفيان أنهما من المدينة فأسرع تاركاً الطريق الرئيسى على يسار بدر إلى الساحل، وأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري يستنجد بقريش (٣).

لما علمت قريش الخبر أخذت في الاستعداد للخروج على عجل لإنقاذ عيرها ورجالها، ولتلتقى بالمسلمين في حرب تريد أن تقضى فيها عليهم، لتستريح من الدعوة ورجالها، وما يهدد تجارتها.


(١) أحمد، المسند (٦/ ٣ طبعة شاكر)، وقال الشيخ شاكر: اسناده صحيح، وقد أخرجه الحاكم (٣/ ٢٠)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبى.
(٢) انظر ابن هشام السيرة النبوية (٢/ ١٨٧)، في قضية بدر بإسناد حسن، وابن كثير، البداية والنهاية (٣/ ٢٨٥).
(٣) ابن هشام السيرة النبوية (٢/ ١٨٣).

<<  <   >  >>