للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب رؤيا في المنام قبل مجيء ضمضم؛ أن رجلاً استنفر قريشاً وألقى بصخرة من رأس جبل أبى قبيس بمكة، فتفتت ولم تترك داراً من دور قريش إلا دخل فيها بعضها، وأثارت الرؤيا خصومة بين العباس بن عبد المطلب وأبى جهل حتى قدم ضمضم وأنذرهم خبر القافلة، فصدق الله رؤيا عاتكة (١).

كانت قريش في أشد حالات الغضب، لقد رأت فيما حدث امتهاناً لكرامتهاً وحطاً لمكانتهاً بين العرب، فضلاً عن ضرب مصالحها الاقتصادية، لذلك أسرعت في الخروج، وحاوت أن تجند كل طاقتها عدداً وعدة، فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبى لهب، ولكنه أرسل رجلاً مكانه لدين عليه (٢)، فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلاً.

أما أبو سفيان فقد نجا بالقافلة وزال الخطر، بعد أن سلك الساحل تاركاً بدراً؛ وكان جيش قريش قد وصل الجحفة (٣)، فأرسل إليهم يخبرهم بنجاة القافلة، وأن يعودوا إلى مكة.

وهمَّ جيش مكة بالرجوع، ولكن أبا جهل رفض ذلك، قائلاً: «والله لا نرجع حتى نَرِد بدراً فنقيم بها ثلاثاً، فننحر الجزور ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبداً، فامضوا» (٤).


(١) رواه الحاكم، المستدرك (٣/ ١٩)، وذكره ابن كثير، البداية والنهاية، من طريق ابن اسحاق وبإسناد حسن إلى عروة ولكنه مرسل، ولكن الروايات تعضد صحة الواقعة، الاصابة (٤/ ٣٤٧)، الهيثمى، مجمع الزوائد (٦/ ٧٢)، وانظر د. أكرم العمرى، السيرة النبوية (٣٥٦)، د. مهدى رزق الله، السيرة النبوية (٣٣٩).
(٢) ابن اسحاق في قصة بدر، ابن هشام السيرة النبوية (٢/ ١٨٥).
(٣) على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة. انظر معجم البلدان، الحموي (١/ ٤٧٥).
(٤) الطبرى، التفسير (١٣/ ٥٧٩) بإسناد حسن. تحقيق شاكر، وهو رواية ابن اسحاق لغزوة بدر، ابن هشام السيرة (٢/ ١٩٢).

<<  <   >  >>