للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه راحه لهم، وأمنة عليهم، يقومون بعده بروح عالية مطمئنة واثقة، مع استجمام أبدانهم المرهقة، ليرفعوا راية الله الذى لم يتركهم، وفعل لهم ما لا يستطيع أحد أن يقوم به. وفي ذلك يقول الحق تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} (١).

وكذلك أوقع الخلاف في صفوف العدو، فقد روى أن عتبة بن ربيعة من صناديد قريش قام خطيباً ليثنى قومه عن القتال، لأنه علم أن المسلمين لن يموت منهم أحد حتى يقتل واحداً أمامه من المشركين (٢)، ولذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا (٣)»، وكان ذلك عتبة بن ربيعة، واتهمه أبو جهل بالخوف حتى ذعر لذلك وقام مقاتلاً.

موقف الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

كان موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بدر يُنِمُّ عن اتصال الأرض بالسماء، مع اتخاذ كل الأسباب المادية والمعنوية لقتال العدو، ثم تقدم هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمام الجند المقاتلين كافة.

أما عن استنفاد السبل المادية والمعنوية ..

فقد عسكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكان أفضل من مكان قريش، أرضاً وماءً، وعبأ قواته بطريقة جديدة لا تعرفها قريش (٤)، وهي تعبئة الصفوف ليقلل بها من خسائر الجيش الإسلامي،


(١) أحمد، المسند (٢/ ١٩٣).
(٢) وفيه قصة عمرو بن وهب الجمحى حيث أرسلته قريش ليعلم لهم عدد المسلمين، فرجع وأخبرهم ولكنه قال: «قد رأيت البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك؟ فَرَوْا رأيكم، والحديث سبب اعتراض عتبة بن ربيعة على القتال، وقد رواه ابن اسحاق - ابن هشام، السيرة النبوية (٢/ ١٩٤)».
(٣) أحمد، المسند (٢/ ١٩٣).
(٤) غير طريق الكر والفر التي تجيدها قريش.

<<  <   >  >>