للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر العباس - رضي الله عنه - نفسه، أنه كان مسلماً وإنما خرج مستكرهاً (١)، وعندما وصل أبا حذيفة كلامُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا، قال ذلك القول الذى ندم عليه بعد ذلك وهو: «أنقتل آباءنا وآبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه - أو لألجمنه - بالسيف، فبلغت مقالته رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لعمر: «يا أبا حفص! أيضرب وجه عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بالسيف؟» فقال عمر: «يا رسول الله، دعنى فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق». فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التى قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عنى الشهادة؛ فقتل يوم اليمامة شهيداً (٢).

وقد يظن بعضهم مثل هذا الظن من محاباة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأقربائه، ولكنه لا يظل خائفاً من هذا الظن، لا يعتقد غير الشهادة، والموت في سبيل الله هو الذى ينجيه منه، بل يظن

بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك وهو لا يبالى بالوقوع الضال في عرضه الشريف، والبالغ أسوأ دركات الظن به؛ لأن قوله ذلك إنما هو عن الله تعالى، فهو لا ينطق عن الهوى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الأول في هذا الموقف، والتدليل على سوء الظن.

الثاني: أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بعدم قتل أبى البخترى، وليس عماً له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا من أبناء عمومته، ولكن لمواقفه المشكورة مع المسلمين في مكة.

الثالث: في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيضرب وجه العباس عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسيف» ليس الاستفهام فيه لإنكار ضربه لكونه عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإلا فلِمَ منع قتل غيره، وهو ليس عماً، أو قريباً له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟! فمحمل الكلام إذاً، أيضرب وجه العباس عمِّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذى ليس هناك


(١) الطبرى، جامع البيان تحقيق الشيخ أحمد شاكر (١٤/ ٧٣)، وانظر د. أكرم العمرى: المجتمع المدنى (٥٥)، وانظر د. مهدى رزق، السيرة النبوية (٣٦٠).
(٢) باوزير، مرويات غزوة بدر (٢٦٨)، حيث ذهب إلى تصحيح السند حيث هو روايه ابن اسحاق لغزو بدر، وانظر د. مهدى رزق الله، السيرة النبوية (٣٥٠).

<<  <   >  >>