للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد صح اشتراك الملائكة في بدر من قول جبريل - عليه السلام - حين سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين – أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة» (١).

وهي أحاديث تبين القاطع من أدلة القرآن الكريم وتوضحه، وتضرب له الأمثلة، وتفصل فيه القول، ليتعاضد الجميع على هذا الحدث، الذى لا يكبر على الله تعالى، إذ له الخلق والأمر، يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وهو الرد المجمل على أولئك المصابين بالانهزام النفسى وعقدة الخواجة.

ويَرِدُ السؤال: ما الحكمة من اشتراك الملائكة مع أن جبريل - عليه السلام - وحده قادر على إهلاكهم بأمر الله؟ ويحسن نقل كلام الإمام السبكى (٢)، إذ يجلى الإمام طبيعة الإسلام في تحقيق أهدافه، وارتباط ذلك بالجهد البشرى، في حدود السنن الكونية والقوانين الاجتماعية، وغيرها، فيقول رحمه الله: «وقع ذلك - أي نزول الملائكة - لإرادة أن يكون الفعل للنبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، وتكون الملائكة مدداً على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب، وسنتها التى أجراها الله تعالى في عباده. والله تعالى هو فاعل الجميع. والله أعلم».أي أن القتال وقع تبع السنن الكونية، والقوانين الطبيعية، من رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه؛ وإنما جاءت الملائكة مدداً في القتال ليس إلا، وإن وقع من بعضهم قتال فما يكون إلا في صورة الأسباب الممكنة للبشر، حتى يبقى الفعل والأثر منسوبين للقائمين به؛ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه؛ وما زاد من الملائكة مما أوحى الله تعالى به إليهم، من القيام بتثبيت المؤمنين وتبشيرهم بالنصر، وخذلان العدو وإلقاء الخوف والفشل في قلوبهم، وقد كان ذلك بشهادة المشركين قبل المؤمنين.


(١) البخاري (٣٩٩٣).
(٢) ونقله كذلك د. أكرم العمرى، انظر.

<<  <   >  >>